آخَرُونَ: لَا إجْمَالَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ: يَقْتَضِي مَسْحَ الْجَمِيعِ، لِأَنَّ الرَّأْسَ حَقِيقَةٌ فِي جَمِيعِهِمَا، وَالْبَاءَ إنَّمَا دَخَلَتْ لِلْإِلْصَاقِ. وَقَالَ الشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى فِيمَا حَكَاهُ " صَاحِبُ الْمَصَادِرِ ": إنَّهُ يَقْتَضِي التَّبْعِيضَ. قَالَ: لِأَنَّ الْمَسْحَ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى حَرْفِ التَّعَدِّيَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: مَسَحْته كُلَّهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُفِيدَ دُخُولُهُ الْبَاءَ فَائِدَةً جَدِيدَةً، فَلَوْ لَمْ يُفِدْ التَّبْعِيضَ لَبَقِيَ اللَّفْظُ عَارِيًّا عَنْ الْفَائِدَةِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّهَا حَقِيقَةٌ فِيمَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ مَسْحِ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ، فَيَصْدُقُ بِمَسْحِ الْبَعْضِ. وَنَسَبَهُ فِي " الْمَحْصُولِ " لِلشَّافِعِيِّ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ هُنَا: وَهُوَ الْحَقُّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِثْبَاتِهِ مَجِيءَ الْبَاءِ لِلتَّبْعِيضِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي الْحُسَيْنِ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ ثُبُوتَ التَّبْعِيضِ بِالْعُرْفِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُعْتَمَدِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَنَّهَا تُفِيدُ فِي اللُّغَةِ تَعْمِيمَ مَسْحِ الْجَمِيعِ، لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَا يُسَمَّى رَأْسًا، وَهُوَ اسْمٌ لِلْجُمْلَةِ لَا لِلْبَعْضِ، لَكِنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي إلْحَاقَ الْمَسْحِ بِالرَّأْسِ إمَّا جَمِيعَهُ، وَإِمَّا بَعْضَهُ، فَيُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ الْأَوْلَى، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ لَا إجْمَالَ. اهـ.
قُلْتُ: وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ " أَحْكَامِ الْقُرْآنِ ": فَكَانَ مَعْقُولًا فِي الْآيَةِ أَنَّ مَنْ مَسَحَ مِنْ رَأْسِهِ شَيْئًا، فَقَدْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَلَمْ تَحْتَمِلْ الْآيَةُ إلَّا هَذَا، وَهَذَا أَظْهَرُ مَعَانِيهَا، أَوْ مَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ. قَالَ: فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنْ لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ مَسْحَ رَأْسِهِ كُلِّهِ، وَإِذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ فَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ مَنْ مَسَحَ شَيْئًا مِنْ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ. اهـ. فَلَمْ يَثْبُتْ التَّبْعِيضُ بِالْعُرْفِ كَمَا زَعَمَ ابْنُ الْحَاجِبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute