أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ مُجْمَلٌ، لِأَنَّ الْمُجْمَلَ يُوجَدُ بِغَيْرِ النِّيَّةِ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ شَرْطًا فِي الْجَوَازِ أَوْ الْفَضِيلَةِ، وَلَا ذِكْرَ لَهُمَا فِي الْخَبَرِ، فَلَيْسَ إضْمَارُ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يَجُوزُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهِمَا، لِأَنَّ الْعُمُومَ لِلْأَلْفَاظِ، فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ.
وَالثَّانِي: لَيْسَ بِمُجْمَلٍ، لِأَنَّهُ قَصَدَ بَيَانَ الشَّرْعِ دُونَ اللُّغَةِ، وَإِضْمَارُ أَحَدِهِمَا خِلَافُ الْأَصْلِ، فَيَجِبُ الْعُمُومُ. قَالَ: وَقُلْت: أَمَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ قَصَدَ بَيَانَ الشَّرْعِ، وَجَبَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ شَرْطًا فِي الْعَمَلِ دُونَ صِفَتِهِ، فَلَا يَصِحُّ الْعَمَلُ شَرْعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَهَذَا الْجَوَابُ يُغْنِي عَنْ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ: إذَا قِيلَ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، «وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» أَفَادَ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إذَا وَقَعَ بِهَذَا صَحَّ، وَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ. وَهَذَا مَعْقُولُ الْخِطَابِ. وَقِيلَ: أَرَادَ الْكَمَالَ لَا الصِّحَّةَ. وَلَنَا إذَا بَطَلَ الصِّحَّةُ، بَطَلَ الْكَمَالُ أَيْضًا. فَهُوَ أَكْثَرُ عُمُومًا فَهُوَ أَكْثَرُ فَائِدَةً. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَوْلُهُ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، لَيْسَ الْمُرَادُ إخْرَاجَهُ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ صِحَّتَهُ أَوْ كَمَالَهُ، لَكِنَّ حَمْلَهُ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عَامِلًا بِنِيَّتِهِ. وَمِنْهَا: قَوْله تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦] ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ. لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ، وَالسُّنَّةُ بَيَّنَتْ الْبَعْضَ. وَحَكَاهُ فِي الْمُعْتَمَدِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ، وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute