للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ تَحْرِيمَهَا أَفَادَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ، وَإِلَّا لَمْ يَتَّجِهْ اللَّعْنُ فِي الْبَيْعِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَسُلَيْمٌ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَإِنَّ الْأَوَّلَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ: مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] لَا خِلَافَ أَنَّهُ مَا أُرِيدَ بِهِ تَحْرِيمُ الْعَيْنِ نَفْسِهَا. وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ تَحْرِيمُ أَفْعَالِنَا، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: هِيَ حَقِيقَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْعَيْنِ، مَجَازٌ فِي تَحْرِيمِ الْفِعْلِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ احْتَجُّوا بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي إثْبَاتِ التَّحْرِيمِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُمْ رَجَعُوا فِي ذَلِكَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ.

وَجَعَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَهُ: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِجُنُبٍ وَلَا حَائِضٍ» . قَالَ: فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: مُجْمَلٌ، لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَدْخُلُ فِي التَّحْرِيمِ، إنَّمَا تَدْخُلُ الْأَفْعَالُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُرُورَ أَوْ الْمُكْثَ، فَيَتَوَقَّفُ فِيهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ إضْمَارُ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ مُتَعَيِّنًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هِيَ عَيْنُ مَسْأَلَةِ الْمُقْتَضَى هَلْ لَهُ عُمُومٌ فِي جَمِيعِ مُقَدَّرَاتِهِ أَمْ لَا؟ وَابْنُ الْحَاجِبِ مِمَّنْ يَمْنَعُ الْعُمُومَ فِي بَابِهِ، وَيَقُولُ بِهِ هَاهُنَا، إلَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ نَفْيِ الْإِجْمَالِ وَالْعُمُومِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِهِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» عَلَى وَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>