للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَسَبَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي " شَرْحِ الْكِفَايَةِ " الْقَوْلَ بِالْإِجْمَالِ فِي هَذَا إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ: وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَهُ مِنْ الْمُجْمَلِ، لِأَنَّ مَدْلُولَ الصَّلَاةِ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ مُخْتَلِفٌ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ الِاسْتِدْلَالَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] ، لِأَنَّ الشَّرْعَ وَإِنْ ضَمَّ إلَيْهِ أَوْصَافًا وَشُرُوطًا، فَقَدْ ضَمَّ إلَى السَّرِقَةِ فِي آيَةِ الْقَطْعِ بِهَا نِصَابًا وَحِرْزًا، وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِعُمُومِ قَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، فَكَذَلِكَ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ.

وَمِنْهَا: الْأَلْفَاظُ الَّتِي عُلِّقَ التَّحْرِيمُ فِيهَا عَلَى الْأَعْيَانِ، كَقَوْلِهِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] وَفِيهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ لَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِظَاهِرِهَا، لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُوصَفُ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا الْمَوْصُوفُ بِهِمَا أَفْعَالُنَا، وَهِيَ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ، فَافْتَقَرَ إلَى بَيَانِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَمَا لَا يَحْرُمُ، وَبِهِ قَالَ الْكَرْخِيّ، وَتِلْمِيذُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ. وَإِذَا قُلْنَا بِهَذَا، فَاخْتَلَفُوا لِأَيِّ وَجْهٍ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ، أَنَّهَا لَيْسَتْ مُجْمَلَةً، لِأَنَّ الْمَعْقُولَ مِنْهُ التَّصَرُّفُ، فَيَعُمُّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ وَوَطْئِهَا، وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَأَبِي عَلِيٍّ وَابْنِهِ أَبِي هَاشِمٍ، وَأَبِي الْحُسَيْنِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ، لِقَوْلِهِ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوهَا، وَبَاعُوهَا، فَأَكَلُوا ثَمَنَهَا» فَدَلَّ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>