وَقَوْلَهُ: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] يَقْتَضِي تَحْرِيمَ كُلِّ بَيْعٍ، لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ إلَّا وَتُقْصَدُ مِنْهُ الزِّيَادَةُ، فَالرُّجُوعُ إذْنٌ إلَى بَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيلَ: الْبَيْعُ الَّذِي لَا زِيَادَةَ فِيهِ هُوَ بَيْعُ عَشَرَةٍ بِعَشَرَةٍ مَعَ التَّجَانُسِ، فَهُوَ حَلَالٌ لَيْسَ فِيهِ إجْمَالٌ، وَإِنَّمَا الْإِجْمَالُ فِيمَا يَتَضَمَّنُ زِيَادَةً، فَبَعْضُ مَا يَتَضَمَّنُ الزِّيَادَةَ حَلَالٌ، وَالْبَعْضُ حَرَامٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذِهِ الْآيَةُ مُخَصَّصَةٌ لَا مُجْمَلَةٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فِي قَوْلِهِ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] الْبَعْضُ دُونَ الْكُلِّ الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ بِأَصْلِ الْوَضْعِ.
وَقِيلَ: إنَّ الْبَيْعَ مُجْمَلٌ، لِأَنَّ الرِّبَا مُجْمَلٌ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْبَيْعِ، وَاسْتِثْنَاءُ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يَعُودُ بِالْإِجْمَالِ عَلَى أَصْلِ الْكَلَامِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّ الرِّبَا عَامٌّ فِي الزِّيَادَاتِ كُلِّهَا، وَكَوْنُ الْبَعْضِ غَيْرَ مُرَادٍ فَرْعُ تَخْصِيصٍ، فَلَا تَتَغَيَّرُ بِهِ دَلَالَةُ الْأَوْضَاعِ.
وَمِنْهَا: الْآيَاتُ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الْأَسْمَاءُ الشَّرْعِيَّةُ، كَقَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] وَقَوْله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] وَقَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] وَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا عَامَّةٌ غَيْرُ مُجْمَلَةٍ، فَتُحْمَلُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ دُعَاءٍ، وَالصَّوْمُ عَلَى كُلِّ إمْسَاكٍ، وَالْحَجُّ عَلَى كُلِّ قَصْدٍ، إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَعَانٍ لَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهَا فِي اللُّغَةِ، وَإِنَّمَا تُعْرَفُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، فَافْتَقَرَتْ إلَى الْبَيَانِ، هَكَذَا حَكَاهُ الشَّيْخُ فِي " اللُّمَعِ "، وَجَعَلَهُمَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ مَنْقُولَةٌ، أَوْ حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ. فَمَنْ قَالَ: مَنْقُولَةٌ، قَالَ: هِيَ مُجْمَلَةٌ. قَالَ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَمَنْ قَالَ: حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ. قَالَ: هِيَ عَامَّةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute