للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَلْفَاظٍ مِنْهَا: قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا عَامَّةٌ خَصَّصَهَا الْكِتَابُ. الثَّانِي: أَنَّهَا عَامَّةٌ خَصَّصَتْهَا السُّنَّةُ، الثَّالِثُ: أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ بَيَّنَهَا الْكِتَابُ. الرَّابِعُ: أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ بَيَّنَتْهَا السُّنَّةُ.

وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي آيَةِ الزَّكَاةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] عَلَى قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا عَامَّةٌ خَصَّصَتْهَا السُّنَّةُ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ بَيَّنَتْهَا السُّنَّةُ، وَهُمَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالتَّعْرِيفِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَاحِدٌ. وَفِيهِ سُؤَالٌ وَهُوَ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْرَدٌ مُعَرَّفٌ، فَإِنَّ عَمَّ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَلْيَعُمَّ فِي الْآيَتَيْنِ، أَوْ الْمَعْنَى فَلْيَعُمَّ فِيهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَلَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَلْيَسْتَوِيَا فِيهِ، مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي آيَةِ الْبَيْعِ الْعُمُومُ، وَفِي آيَةِ الزَّكَاةِ الْإِجْمَالُ. وَسَبَقَ جَوَابُهُ فِي بَابِ الْعُمُومِ.

قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُجْمَلَةً، لِأَنَّ الْبَيْعَ مَعْقُولٌ فِي اللُّغَةِ، فَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى الْعُمُومِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ.

وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ فِي الْبُيُوعِ الَّتِي فِيهَا الرِّبَا، فَأَمَّا بَيْعٌ لَا رِبَا فِيهِ فَدَاخِلٌ فِي عُمُومِ التَّحْلِيلِ، وَكَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إنَّهُ مُجْمَلٌ فِيمَا اشْتَمَلَ عَلَى جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الزِّيَادَةِ دُونَ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَمَأْخَذُهُ مُحْتَمَلٌ، لِأَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ فِي الْمُفْرَدِ لِلْعُمُومِ أَوْ الْجِنْسِ الصَّادِقِ عَلَى الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ، أَوْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لِلْعُمُومِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] جَارٍ مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، إذْ الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَةُ، وَلَيْسَ كُلُّ زِيَادَةٍ حَرَامًا، وَبِهِ يُشْعِرُ تَفْصِيلُ الْإِمَامِ.

وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْعَهْدِ وَالْعُمُومِ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ لَا يَعُمُّ إلَّا عِنْدَ عَدَمِهِ، وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ، ثُمَّ هُوَ جَزْمٌ بِالْإِجْمَالِ. وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي تَفْسِيرِهِ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذِهِ الْآيَةُ مُجْمَلَةٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] يَقْتَضِي تَحْلِيلَ كُلِّ بَيْعٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>