لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَحْسُوسَاتِ، فَهُوَ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِ الْأَحْكَامِ عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ.
قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ الْجَوَازِ، مُؤَوَّلٌ فِي نَفْيِ الْكَمَالِ، فَيُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَهَكَذَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ، وَالْإِمَامُ فِي " الْبُرْهَانِ "، وَالْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ "، وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَنَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ فِي كِتَابِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْقَطَّانِ. قَالَ: وَلِلتَّعْبِيرِ عَنْهُ طَرِيقَانِ: إمَّا أَنْ يَقُولَ: هُوَ بَاطِلٌ، أَوْ يَقُولَ: لَا كَذَا إلَّا بِكَذَا، فَظَاهِرُ الْبُطْلَانِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ يَصْرِفُهُ عَنْهُ إلَى الْكَمَالِ وَالْفَضِيلَةِ. قَالَ: وَهَذَا مِنْ آكَدِ مَا يُخَاطَبُ بِهِ فِي إيجَابِ الشَّيْءِ.
ثُمَّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ " تَبَعًا لِلْقَاضِي: الَّذِي نَرْتَضِيهِ إلْحَاقُ اللَّفْظِ بِالْمُحْتَمَلَاتِ لِتَرَدُّدِ اللَّفْظِ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْكَمَالِ، وَيَسْتَحِيلُ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَلَا طَرِيقَ إلَى التَّوَقُّفِ لِتَعَيُّنِ لَفْظِ الْمُحْتَمَلَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فِي ادِّعَاءِ الْإِجْمَالِ. قُلْنَا: الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الَّذِينَ ادَّعَوْا الْإِجْمَالَ أَوَّلًا اسْتَنَدُوا إلَى تَوَقُّعِ نَفْيِ الْأَعْيَانِ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ، وَنَحْنُ أَسْنَدْنَا ادِّعَاءَ الْإِبْهَامِ إلَى الْأَحْكَامِ. قَالَ: ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إذَا قُلْنَا بِإِثْبَاتِ صِيَغِ الْعُمُومِ، فَإِنْ مَنَعْنَاهُ لَمْ نَحْتَجْ إلَى إيضَاحِ وَجْهِ الْإِجْمَالِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: فَقَوْلُهُ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ» مَنْ قَالَ: إنَّ النَّفْيَ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ، مَنَعَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ وَفَسَادِهَا. وَقَالَ: إنَّ النَّفْيَ يَتَعَلَّقُ بِالصُّورَةِ، وَقَدْ وُجِدَتْ، وَالْمَصِيرُ إلَى الْجَوَازِ وَالْكَمَالِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَمَنْ جَعَلَهُ عَامًّا فِي الْجَمِيعِ زَعَمَ أَنَّهُ يُوجِبُ نَفْيَ الْحُكْمِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute