وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: الصَّحِيحُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى نَفْيِ الْمَنْطُوقِ بِهِ، دُونَ صِفَتِهِ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَيُغْنِي عَنْ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهِ، يَعْنِي أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَصْلِ نَفْيُ صِفَتِهِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّ لَفْظَ النَّفْيِ فِي الشَّرْعِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْعَيْنِ، كَقَوْلِهِ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» ، وَ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ» فَأَمَّا قَوْلُهُ: «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ» فَإِنَّمَا أَرَادَ ذِكْرَ الْقَلْبِ، وَلَا يَصِحُّ بِدُونِهِ.
وَقَوْلُهُ: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» أَرَادَ بِالْمَسْجِدِ الْمَكَانَ الطَّاهِرَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا» انْتَهَى.
وَأَجَازَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ تَقْدِيرَ نَفْيِ الصِّحَّةِ، وَحَكَى عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ نَفْيَ الْكَمَالِ، وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا. وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ النَّفْيَ ظَاهِرٌ فِي الْإِجْزَاءِ. مُحْتَمِلٌ عَلَى الْخَفَاءِ لِنَفْيِ الْكَمَالِ، فَإِنْ عَضَّدَهُ دَلِيلٌ قَوِيٌّ يَزِيدُ عَلَى قُوَّةِ الظُّهُورِ انْصَرَفَ إلَى الْكَمَالِ وَإِلَّا فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْإِجْزَاءِ. فَعُرْفُ الشَّرْعِ عِنْدَهُمْ عُرْفٌ مَقْصُودٌ، وَلَهُ فِي الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ تَصَرُّفٌ، وَمَعْنَى الْإِجْزَاءِ عِنْدَهُمْ أَسْمَاءُ الصُّورَةِ الشَّرْعِيَّةِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُطْلَقًا يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ، وَنَفْيَ الْكَمَالِ. قَالَ: وَيَجْرِي عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ: " يُوقَفُ الْمُحْتَمَلُ " يُجْعَلُ هَذَا مَوْقُوفًا، لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ، وَالْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ اخْتَلَفُوا: هَلْ النَّفْيُ انْصَبَّ إلَى الْأَعْيَانِ وَالْأَحْكَامِ فَهُوَ عَامٌّ فِيهِمَا، ثُمَّ خُصَّتْ الْأَعْيَانُ بِدَلِيلِ الْحِسِّ أَوْ الْعَقْلِ، وَبَقِيَتْ الْأَحْكَامُ عَلَى مُوجِبِهَا، وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى تَخْصِيصِ اللَّفْظِ الْعَامِّ، أَوْ انْصَبَّ إلَى الْأَحْكَامِ فَقَطْ، وَلَا يُقَدَّرُ دُخُولُ الْأَعْيَانِ لِيَحْتَاجَ إلَى تَخْصِيصِهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute