أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْطِقْ بِالْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ، وَلَا بِالِاسْمِ اللُّغَوِيِّ، وَلَا بِالْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ، فَتَرْجِيحُ الشَّرْعِيِّ تَحَكُّمٌ. وَتُمَثَّلُ الْمَسْأَلَةُ بِ «الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» وب «الِاثْنَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» قَالَ: فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُسَمَّى جَمَاعَةً، وَانْعِقَادُ الْجَمَاعَةِ وَحُصُولُ فَضِيلَتِهَا، وَالْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِيِّ، لِأَنَّ الشَّارِعَ بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ، وَهُوَ الْأَغْلَبُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي كِتَابِ " الْمَجَازِ ": أَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا» فَمَحْمُولٌ عَلَى صِيغَةِ إيجَابِ النِّكَاحِ اللُّغَوِيَّةِ دُونَ الشَّرْعِيَّةِ، وَذَلِكَ حَقِيقَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللُّغَةِ دُونَ الشَّرْعِ، كَالصَّلَاةِ الْمَحْمُولَةِ عَلَى الدُّعَاءِ فِي قَوْلِهِ: «وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» أَيْ فَلْيَدْعُ، وَكَذَلِكَ نَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الْحُرِّ، فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى اللُّغَوِيِّ دُونَ الشَّرْعِيِّ، وَأَمَّا نَهْيُ الْحَائِضِ عَنْ الصَّلَاةِ فَلَيْسَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ مَحْمُولَةً عَلَى الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ لِتَعَذُّرِهِ، وَلَا عَلَى اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ الدُّعَاءُ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازُ تَشْبِيهٍ، لِأَنَّ صُورَةَ صَلَاتِهَا شَبِيهَةٌ بِصُورَةِ الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ حَقِيقَةٍ شَرْعِيَّةٍ. وَالْمُخْتَارُ: أَنَّ صَلَاتَهَا مَجَازٌ عَنْ مَجَازٍ شَرْعِيٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللُّغَةِ، لِأَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ تَسْمِيَةَ الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ مَجَازِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ جُزْئِهِ، لِأَنَّ الدُّعَاءَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ، فَتُجُوِّزَ بِهِ عَنْهَا، كَمَا تُجُوِّزَ عَنْهَا بِالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute