وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْغَرَضُ مِنْ الْقَوْلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ لَا يُلْغِي الْقَيْدَ الَّذِي قَيَّدَ بِهِ الشَّارِعُ كَلَامَهُ، فَإِذَا ظَهَرَ لِلْقَيْدِ فَائِدَةٌ مَا مِثْلُ إنْ خَرَجَ عَنْ الْمُعْتَادِ الْغَالِبِ فِي الْعُرْفِ كَفَى ذَلِكَ. وَذَكَرَ فِي " الرِّسَالَةِ " كَلَامًا بَالِغًا فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَالَ: إذَا تَرَدَّدَ التَّخْصِيصُ بَيْنَ تَقْدِيرِ نَفْيِ مَا عَدَا الْمُخَصَّصَ، وَبَيْنَ قَصْدِ إخْرَاجِ الْكَلَامِ عَلَى مَجْرَى الْعُرْفِ، فَيَصِيرُ تَرَدُّدُ التَّخْصِيصِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، كَتَرَدُّدِ اللَّفْظِ بَيْنَ جِهَتَيْنِ فِي الِاحْتِمَالِ، فَيُلْحَقُ بِالْمُحْتَمَلَاتِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] . فَاسْتِشْهَادُ النِّسَاءِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ إشْهَادِ الرِّجَالِ خَارِجٌ عَلَى الْعُرْفِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الشُّهْرَةِ، وَهَتْكِ السِّتْرِ، وَعَسُرَ الْأَمْرُ عِنْدَ إقَامَةِ الشَّهَادَةِ، فَجَرَى التَّقْيِيدُ إجْرَاءً لِلْكَلَامِ عَلَى الْغَالِبِ، وَكَقَوْلِهِ: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: ١٠١] فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ. وَخَالَفَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَرَأَى الْقَوْلَ بِالْمَفْهُومِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَنَّ دَلِيلَ الْخِطَابِ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ التَّخْصِيصِ بِالذَّكَرِ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَلَزِمَ مِثْلُهُ بِاللَّقَبِ، وَلَكِنْ إنَّمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ لِمَا فِي الْكَلَامِ مِنْ الْإِشْعَارِ عَلَى مُقْتَضَى حَقَائِقِهِ مِنْ كَوْنِهِ شَرْطًا، فَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ بِاحْتِمَالٍ يُؤَوَّلُ إلَى الْعُرْفِ. نَعَمْ، يَظْهَرُ مَسْلَكُ التَّأْوِيلِ، وَيَخِفُّ الْأَمْرُ عَلَى الْمُؤَوِّلِ، فِي قَرِينَةِ الدَّلِيلِ الْعَاضِدِ لِلتَّأْوِيلِ. وَقَدْ وَافَقَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَزَادَ فَقَالَ: يَنْبَغِي الْعَكْسُ، أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ إلَّا إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصْفَ الْغَالِبَ عَلَى الْحَقِيقَةِ تَدُلُّ الْعَادَةُ عَلَى ثُبُوتِهِ لِتِلْكَ الْحَقِيقَةِ، فَالْمُتَكَلِّمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute