يَكْتَفِي بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ عَلَى ثُبُوتِهِ لَهَا عَنْ ذِكْرِ اسْمِهِ، فَإِذَا أَتَى بِهَا مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ كَافِيَةٌ فِيهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَتَى بِهَا لِتَدُلَّ عَلَى سَلْبِ الْحُكْمِ عَمَّا يُفْهِمُ السَّامِعَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ ثَابِتَةٌ لِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ.
وَقَدْ أَجَابَ الْقَرَافِيُّ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْوَصْفَ إذَا كَانَ غَالِبًا كَانَ لَازِمًا لِتِلْكَ الْحَقِيقَةِ بِسَبَبِ الشُّهْرَةِ وَالْغَلَبَةِ، فَذِكْرُهُ إيَّاهُ مَعَ الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا لِغَلَبَةِ حُضُورِهِ فِي الذِّهْنِ لَا لِتَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُذْكَرُ مَعَ الْحَقِيقَةِ إلَّا لِتَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِهِ، لِعَدَمِ مُقَارَنَتِهِ لِلْحَقِيقَةِ فِي الذِّهْنِ حِينَئِذٍ، فَاسْتِحْضَارُهُ مَعَهُ وَاسْتِجْلَابُهُ لِذِكْرِهِ عِنْدَ الْحَقِيقَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِفَائِدَةٍ، وَالْفَرْضُ عَدَمُ ظُهُورِ فَائِدَةٍ أُخْرَى، فَيَتَعَيَّنُ التَّخْصِيصُ. وَنَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا، وَاعْتَرَضَ بِالِاسْتِفْسَارِ.
فَقَالَ: مَا تُرِيدُونَ بِالْغَالِبِ؟ أَعَادَةُ الْفِعْلِ أَمْ عَادَةُ التَّخَاطُبِ؟ فَإِنْ أُرِيدَ عَادَةُ الْفِعْلِ فَلَا نُسَلِّمُ إلَّا إذَا صَحِبَهَا عَادَةُ التَّخَاطُبِ، وَدَعْوَى أَنَّ عَادَةَ الْفِعْلِ مُسْتَلْزِمَةٌ عَادَةَ التَّخَاطُبِ ضَعِيفَةٌ بِمَنْعِ تَسْلِيمِ اللُّزُومِ. وَلِأَنَّهُ إثْبَاتُ اللُّغَةِ لِغَلَبَتِهَا، وَهُوَ وَاهٍ جِدًّا. وَإِنْ أُرِيدَ عَادَةُ التَّخَاطُبِ فَإِثْبَاتُهَا فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَى عَسِيرٌ.
الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ عَهْدٌ، وَإِلَّا فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، وَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ اللَّقَبِ مِنْ إيقَاعِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ، إيقَاعُ الْعِلْمِ عَلَى مُسَمَّاهُ. وَهَذَا الشَّرْطُ يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ إثْبَاتَ مَفْهُومِ الصِّفَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ نَفْيَ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ لَمَا كَانَ لِتَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ فَائِدَةٌ. وَقَوْلُهُمْ فِي مَفْهُومِ الِاسْمِ إنَّهُ إنَّمَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمُسَمَّى فَلَا يَكُونُ حُجَّةً.
الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْمَذْكُورُ قُصِدَ بِهِ زِيَادَةُ الِامْتِنَانِ عَلَى الْمَسْكُوتِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: ١٤] فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقَدِيدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute