اللَّاحِقِ، فَالْأُسْتَاذُ يَقُولُ: الْحُكْمُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الدَّوَامِ، لِكَوْنِهِ مُغَيًّا إلَى غَايَةٍ مَعْلُومَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا نَعْرِفُهَا إلَّا بَعْدَ وُرُودِ النَّاسِخِ، فَيَكُونُ النَّسْخُ بَيَانًا، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ وَهْمُ مَنْ قَالَ: إنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ.
وَقَدَّرَ ابْنُ الْمُنِيرِ كَوْنَهُ لَفْظًا بِأَنَّ الْفُقَهَاءَ يُثْبِتُونَ رَفْعًا مَعَ الْبَيَانِ، وَالْأُصُولِيُّونَ يُثْبِتُونَ بَيَانًا مَعَ الرَّفْعِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ لَا يُنَازِعُونَ فِي أَنَّ الْحُكْمَ الْمَنْسُوخَ كَانَ قَبْلَ النَّسْخِ ثَابِتًا وَهُوَ بَعْدَ النَّسْخِ غَيْرُ ثَابِتٍ. وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا رَفْعًا يُنَاقِضُ الْإِثْبَاتَ وَيُجَامِعُهُ. وَالْأُصُولِيُّونَ لَا يُنَازِعُونَ فِي أَنَّ الْمُكَلَّفِينَ كَانُوا عَلَى ظَنٍّ بِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يُنْسَخُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْأَحْكَامِ الْقَرَارُ وَعَدَمُ النَّسْخِ، ثُمَّ بِالنَّسْخِ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ مِنْ الْأَوَّلِ نَسْخَهُ فِي الزَّمَانِ الْمَخْصُوصِ، لِأَنَّ الْإِرَادَةَ قَدِيمَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا اتِّفَاقًا فَلَا يَبْقَى لِلْخِلَافِ مَحَطٌّ. وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: إنَّ انْتِهَاءَ غَايَةِ الْحُكْمِ يُنَافِي بَقَاءَهُ، وَلَا نَعْنِي بِالرَّفْعِ إلَّا ذَلِكَ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِرَافِعٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيًّا عَلَى اخْتِلَافِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي أَنَّ زَوَالَ الْأَعْرَاضِ بِالذَّاتِ أَوْ بِالضِّدِّ. فَمَنْ قَالَ بِبَقَائِهَا قَالَ: إنَّمَا يَنْعَدِمُ الضِّدُّ الْمُتَقَدِّمُ لِطَرَيَانِ الطَّارِئِ، وَلَوْلَاهُ لَبَقِيَ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِبَقَائِهَا قَالَ: إنَّهُ يَنْعَدِمُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ يَحْدُثُ الضِّدُّ الطَّارِئُ وَلَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي إعْدَامِ الضِّدِّ الْأَوَّلِ. وَقَالَ إِلْكِيَا: زَعَمَ الْقَاضِي أَنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا جَعَلْنَا النَّصَّ الْأَوَّلَ مُوجِبًا حَقِيقَةً تَامًّا، وَالْمُوجِبُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْوُجُوبُ بِاقْتِضَائِهِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ انْتِهَاءُ الْأَوَّلِ فِي عِلْمِ اللَّهِ بِالنَّسْخِ بِأَمْرٍ يُخَالِفُ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ، وَيَسْتَحِيلُ تَقْدِيرُ وَضْعِ أَمْرَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ.
وَاخْتَارَ الْإِمَامُ أَنَّ النَّسْخَ ظُهُورُ مَا يُنَافِي اشْتِرَاطَ اسْتِمْرَارِ الْحُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute