بِقَوْلِهِ: افْعَلْ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ لِلطَّلَبِ، وَلَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا يُنْهَى عَنْهُ. وَيَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: افْعَلْ إنْ لَمْ أَنْهَكَ عَنْهُ. وَقَالَ: اخْتَرْت عَلَى هَذَا الرَّأْيِ النَّسْخَ قَبْلَ مُضِيِّ إمْكَانِ الْفِعْلِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَوَّلُونَ لَا يَجُوزُ، فَإِنَّهُ لَا ثُبُوتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ. فَقِيلَ: لِلْإِمَامِ، فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ؟ فَقَالَ: الِاسْتِثْنَاءُ هُوَ الْمَقْرُونُ بِاللَّفْظِ، وَالنَّسْخُ مُتَرَاخٍ. وَهُوَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَرَى ظُهُورَ الْمُنَافِي بِالْإِضَافَةِ إلَى اعْتِقَادِنَا التَّأْبِيدَ فِيهِ، وَعَلَى رَأْيِ الْفُقَهَاءِ: النَّسْخُ لَا يُصَادِفُ الْأَمْرَ، بَلْ يُصَادِفُ اسْتِمْرَارَهُ، وَعَلَى رَأْيِ الْآخَرِينَ لَا يُصَادِفُ لَا الْبَقَاءَ وَلَا الْأَمْرَ، وَلَكِنْ يَبْقَى الْحُكْمُ فِي الِاسْتِقْبَالِ. وَهُوَ إنَّمَا يُصَادِفُ مَا اعْتَقَدْنَاهُ فِيهِ، فَيَرْفَعُ اعْتِقَادَنَا، وَالْبَقَاءُ ظَاهِرٌ فِي اعْتِقَادِنَا، وَهُوَ فِي حَقِّ اللَّهِ انْتِهَاءٌ. فَعَلَى هَذَا النَّاسِخِ لَا يُضَادُّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ، وَلَا تُتَصَوَّرُ الْمُضَادَّةُ فِي إمْضَاءِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِطَرِيقِ الْبَدَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَيْهِ.
وَحَدَّتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ بِالْخِطَابِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ الْمُتَقَدِّمِ زَائِلٌ، وَذَكَرُوا مَثَلًا لِيَحْتَرِزُوا بِهِ عَنْ الرَّفْعِ، وَجَوَّزُوا نَسْخَ الْعِبَادَةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِهَا.
وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ " الزِّيَادَاتِ ": اُخْتُلِفَ فِي النَّسْخِ فَقِيلَ: إزَالَةُ فَرْضِ الْعَمَلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَقِيلَ: بَيَانُ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْعِبَادَةِ. وَقِيلَ: انْتِهَاءُ مُدَّةِ التَّكْلِيفِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّرَاخِي بِدَلِيلٍ لَوْلَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute