هَلْ يَجِبُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ أَوْ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ؟ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَا مَزِيدَ عَلَى حُسْنِ هَذَا. اهـ.
وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْوَجِيزِ " فِي آخِرِ بَابِ النَّسْخِ: نَسْخُ الْحُكْمِ قَبْلَ عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِهِ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَمَنَعَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ عَزْلَ الْوَكِيلِ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْعِلْمِ. وَزَعَمُوا أَنَّ النَّسْخَ قَبْلَ الْعِلْمِ يَتَضَمَّنُ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ. قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعُ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقَ، فَإِذَا قَضَيْنَا بِصِحَّتِهِ صَحَّ النَّسْخُ حِينَئِذٍ. قَالَ: وَاحْتَجَّ عُلَمَاؤُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقِصَّةِ الْمِعْرَاجِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى الْأُمَّةِ خَمْسِينَ صَلَاةً، ثُمَّ نَسَخَهَا قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِوُجُوبِهَا، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدُ الْمُكَلَّفِينَ، وَقَدْ عَلِمَ، وَلَكِنَّهُ قَبْلَ عِلْمِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ. وَعِلْمُ الْجَمِيعِ لَا يُشْتَرَطُ، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ اسْتَقَرَّ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَا اعْتِمَادَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ. اهـ. وَظَهَرَ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ الْأَزْدِيُّ تِلْمِيذُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ " اللَّامِعِ " لَهُ: مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْأَمْرُ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَأْمُورٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ قَدْ يُنْسَخُ عَنْهُ الْأَمْرُ أَمْ لَا؟ ثُمَّ قَالَ: عِنْدَنَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ قَدْ يُنْسَخُ عَنْهُ الْأَمْرُ إذَا بَلَغَهُ، وَتَأَدَّى إلَيْهِ لَزِمَهُ الْمَصِيرُ إلَى مُوجَبِ النَّاسِخِ. قَالَ عَبْدُ الْجَلِيلِ الرَّبَعِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَإِنْ تَجَوَّزَ فِي قَوْلِهِ: يَصِحُّ، وَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: يَجِبُ، إذْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute