النَّسْخُ قَبْلَ اعْتِقَادِ الْمَنْسُوخِ وَقَبْلَ الْعَمَلِ بِهِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ قَبْلَ الِاعْتِقَادِ.
وَالثَّانِي: يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ بَعْدَ الْعَمَلِ، لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ.
وَالثَّالِثُ: لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ مَضَى بَعْدَ الِاعْتِقَادِ زَمَانُ الْعَمَلِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ، لِاخْتِصَاصِ النَّسْخِ بِتَقْدِيرِهِ التَّكْلِيفَ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ بِمُضِيِّ زَمَانِهِ. اهـ. وَقَضِيَّتُهُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ مُطْلَقًا فِيمَا قَبْلَ التَّمَكُّنِ وَبَعْدَهُ. وَعَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي النَّسْخِ قَبْلَ الْفِعْلِ. أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ. وَالثَّانِي: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يُنْقَلَ مِنْ فَرْضٍ إلَى إسْقَاطِهِ فَيَجُوزَ، لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ حَصَلَ فِيهِ الْإِثْبَاتُ لِلتَّخْفِيفِ، وَهَذَا الْوَجْهُ رَأَيْته مَحْكِيًّا فِي كِتَابِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ الَّذِي أَلَّفَهُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ قَالَ: بَابُ ذِكْرِ نَسْخِ الْفَرْضِ الْمَأْمُورِ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ مِنْهُ شَيْءٌ، بِإِسْقَاطِهِ أَوْ بِالنَّقْلِ إلَى غَيْرِهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَسْت أَحْفَظُ لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْئًا نَصًّا إلَّا مَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذَا فَرَضَ شَيْئًا اسْتَعْمَلَ عِبَادَهُ بِهِ مَا أَحَبَّ، ثُمَّ نَقَلَهُمْ مِنْهُ إذَا شَاءَ. هَذَا مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْجَوَازَ أَوْ الْمَنْعَ، لَكِنَّهُ إلَى الْمَنْعِ أَقْرَبُ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى جَوَازِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فُرِضَ عَلَيْهِ خَمْسُونَ صَلَاةً حَيْثُ أُسْرِيَ بِهِ، ثُمَّ رُدَّ إلَى خَمْسٍ، فَصَارَ نَسْخًا قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ. وَكَذَلِكَ قِصَّةُ إبْرَاهِيمَ فِي الذَّبْحِ، وَنَسْخُ الصَّدَقَةِ عِنْدَ مُنَاجَاةِ الرَّسُولِ، وَعَهْدُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ قُرَيْشٍ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَهُ مِنْ نِسَائِهِمْ، وَذَلِكَ نَقْلٌ عَمَّا أُمِرُوا بِهِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَهَذَا كُلُّهُ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَصَحُّ عِنْدِي عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُ الشَّيْءِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ مِنْهُ شَيْءٌ. وَأَمَّا الِانْفِصَالُ عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute