للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ: جَوَّزَ الْجُمْهُورُ النَّسْخَ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَجَعَلُوا الْحَقِيقَةَ إذَا قَالَ لَهُمْ: صَلُّوا غَدًا، وَاقْتُلُوا زَيْدًا، ثُمَّ مَنَعَهُمْ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، إنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِهِ عَلَى وَصْفٍ إنْ وُجِدَ سَقَطَ الْأَمْرُ كَأَنْ قَالَ: صَلُّوا غَدًا، وَاقْتُلُوا زَيْدًا إنْ لَمْ تَمُوتُوا.

الثَّانِي: قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَالْخَفَّافُ فِي " الْخِصَالِ ": كُلُّ نَسْخٍ فَإِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ الْفِعْلِ، لِأَنَّ مَا مَضَى يَسْتَحِيلُ لُحُوقُ النَّسْخِ لَهُ، لِأَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ الزَّمَانِ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ أَبْطَلَ النَّسْخَ قَبْلَ الْفِعْلِ. وَلِهَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: تَرْجَمَةُ الْمَسْأَلَةِ بِالنَّسْخِ قَبْلَ الْفِعْلِ مُخْتَلَّةٌ، يَعْنِي لِأَنَّهَا تُفْهِمُ صِحَّةَ النَّسْخِ بَعْدَ الْفِعْلِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَا نَسْخَ أَبَدًا إلَّا قَبْلَ الْفِعْلِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّهُ رَفْعٌ أَوْ بَيَانٌ، إذْ لَا يَنْعَطِفُ النَّسْخُ عَلَى سَابِقٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ، هَلْ يَجُوزُ نَسْخُ الْفِعْلِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتَهُ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ وَقْتِ الْأَمْرِ بِهِ مَا يَسَعُهُ؟ فَأَهْلُ الْحَقِّ عَلَى جَوَازِهِ، وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى مَنْعِهِ، ثُمَّ احْتَجَّ بِقِصَّةِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّهُ نَسَخَ الْأَمْرَ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى بِظَاهِرِهِ.

وَصَوَّرَ الْغَزَالِيُّ الْمَسْأَلَةَ فِي النَّسْخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ. وَأَبُو الْحُسَيْنِ فِي النَّسْخِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: قَبْلَ مُضِيِّ مِقْدَارِ مَا يَسَعُهُ مِنْ وَقْتِهِ، لِيَشْمَلَ مَا إذَا حَضَرَ وَقْتُ الْفِعْلِ، وَلَكِنْ لَمْ يَمْضِ مِقْدَارُ مَا يَسَعُهُ، فَإِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَيْضًا. قُلْت: وَالْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ، قِيلَ: أَرَادُوا بِهِ نَسْخَ الْخِطَابِ الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْ بِهِ عَمَلٌ أَلْبَتَّةَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَوَجَّهُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ، فَإِنَّ الْمُرَادَ نَسْخُ الْحُكْمِ الْمُتَلَقَّى مِنْ الْخِطَابِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ مُقْتَضَاهُ أَلْبَتَّةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>