إنَّ ذَلِكَ وُجِدَ فِي قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: ١٨٠] فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالسُّنَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . وَكَانَ يَقُولُ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا نُسِخَتْ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا. اهـ. وَمِنْ خَطِّ ابْنِ الصَّلَاحِ نَقَلْته.
قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَامَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَقَالَ سُلَيْمٌ: هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَقَالُوا: لَيْسَ لِأَبِي حَنِيفَةَ نَصٌّ فِيهِ، وَلَكِنْ نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ، وَاخْتَارَهُ. قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَسَائِرِ الْمُتَكَلِّمِينَ. قَالَ الدَّبُوسِيُّ فِي " التَّقْوِيمِ ": إنَّهُ قَوْلُ عُلَمَائِنَا، يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ.
قَالَ الْبَاجِيُّ: قَالَ بِهِ عَامَّةُ شُيُوخِنَا، وَحَكَاهُ أَبُو الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ: وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ لِلْوَارِثِ لِلْحَدِيثِ، فَهُوَ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ} [البقرة: ١٨٠] الْآيَةَ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا سَهْوٌ، لِأَنَّ مَالِكًا صَرَّحَ بِأَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ. [مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ]
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ بِحَالٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً، وَجَزَمَ بِهِ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَالْخَفَّافُ فِي كِتَابِ " الْخِصَالِ "، وَنَقَلَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: وَأَجْمَعَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْمَنْعِ، وَرَأَيْت التَّصْرِيحَ بِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ " الْوَدَائِعِ " لِابْنِ سُرَيْجٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute