للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: قَطَعَ الشَّافِعِيُّ جَوَابَهُ بِأَنَّ الْكِتَابَ لَا يُنْسَخُ بِالسُّنَّةِ، وَتَرَدَّدَ فِي عَكْسِهِ. قُلْت: وَسَيَأْتِي عَنْ الشَّافِعِيِّ حِكَايَةُ خِلَافٍ فِي نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ، فَلْيَجِئْ هُنَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى، أَوْ نَقْطَعُ بِالْمَنْعِ فِي الْعَكْسِ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَوْلُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْهُ الْعَقْلُ أَوْ الشَّرْعُ؟ قَالَ: وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْهُ الْعَقْلُ وَالشَّرْعُ جَمِيعًا. وَكَذَا قَالَهُ قَبْلَهُ سُلَيْمٌ فِي " التَّقْرِيبِ "، وَعِبَارَتُهُ: وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ شَرْعًا وَلَا عَقْلًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. اهـ. وَفِيمَا قَالَاهُ نَظَرٌ، بَلْ قُصَارَى كَلَامِهِ مَنْعُ الشَّرْعِ، كَيْفَ وَالْعَقْلُ عِنْدَهُ لَا يُحَكَّمُ، ثُمَّ قَالَ: وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَنَعَ مِنْهُ الشَّرْعُ دُونَ الْعَقْلِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا. فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ فِي " التَّبْصِرَةِ "، وَابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ ": أَنَّ الَّذِي مَنَعَ مِنْهُ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ، وَلَوْ وَرَدَ بِهِ كَانَ جَائِزًا وَهَذَا أَصَحُّ. وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ: الشَّرْعُ مَنَعَ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ مُجَوِّزًا فِيهِ. اهـ.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي " الْحَاوِي ": صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، وَوَافَقَهُ أَصْحَابُهُ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ مَنَعَ مِنْهُ الْعَقْلُ أَوْ الشَّرْعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. اهـ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: مِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ عَقْلًا، وَادَّعَى أَنَّ الشَّرْعَ مَنَعَ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة: ١٠٦] وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعَقْلِ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِمَنْعِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ نُسِخَتْ بِسُنَّةٍ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>