للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ فِي كِتَابِهِ " النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ": أَجْمَعَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ مَهْدِيٍّ الطَّبَرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ مُتَكَلِّمِيهِمْ. وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي طَرِيقِ الْمَنْعِ مِنْهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مُسْتَحِيلٌ مِنْ جِهَةِ دَلَالَةِ الْعَقْلِ عَلَى اسْتِحَالَتِهِ، وَبِهِ نَقُولُ. وَهُوَ أَيْضًا اخْتِيَارُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ فِي الْعَقْلِ جَائِزٌ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ وَرَدَ بِالْمَنْعِ مِنْهُ. وَهُوَ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: ١٠٦] فَلَا تَكُونُ السُّنَّةُ خَيْرًا وَلَا مِثْلَهَا، فَلَا يَجُوزُ نَسْخُهَا بِهَا، وَلَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَأَجَزْنَا نَسْخَ الْآيَةِ بِالسُّنَّةِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَابْنِ سُرَيْجٍ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَقْلَ يُجِيزُ نَسْخَ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِالْمَنْعِ مِنْهُ إلَّا أَنَّا لَمْ نَجِدْ فِي الْقُرْآنِ آيَةً مَنْسُوخَةً بِسُنَّةٍ. انْتَهَى. وَمِمَّنْ قَالَ بِنَفْيِ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ الْمُحَاسِبِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، وَالْقَلَانِسِيُّ، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَالظَّاهِرِيَّةُ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ " عَنْ الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَمِمَّنْ نَفَى الْجَوَازَ السَّمْعِيَّ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " اللُّمَعِ ". وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ غَلِطَ النَّاسُ فِي النَّقْلِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ وَجْهَ الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، فَنَقُولُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي " الرِّسَالَةِ ": وَأَبَانَ اللَّهُ لَهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا نَسَخَ مَا نَسَخَ بِالْكِتَابِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ لَا تَكُونُ نَاسِخَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>