للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْكِتَابِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ لِلْكِتَابِ بِمِثْلِ مَا نَزَلَ بِهِ نَصًّا، وَمُفَسِّرَةٌ مَعْنًى بِمَا أُنْزِلَ مِنْهُ حُكْمًا. قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [يونس: ١٥] فَفِي قَوْلِهِ: {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ} [يونس: ١٥] مَا وَصَفْته مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إلَّا كِتَابُهُ، كَمَا كَانَ الْمُبْتَدِئُ بِفَرْضِهِ، فَهُوَ الْمُزِيلُ الْمُثْبَتُ لِمَا شَاءَ مِنْهُ. وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: ٣٩] وَهُوَ أَشْبَهُ مَا قِيلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} [النحل: ١٠١] .

انْتَهَى لَفْظُهُ. وَمَنْ صَدَّرَ هَذَا الْكَلَامَ قِيلَ عَنْهُ: إنَّ السُّنَّةَ لَا تَنْسَخُ الْكِتَابَ. وَقَدْ اسْتَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ: هَفَوَاتُ الْكِبَارِ عَلَى أَقْدَارِهِمْ، وَمَنْ عُدَّ خَطَؤُهُ عَظُمَ قَدْرُهُ. قَالَ: وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ كَثِيرًا مَا يَنْصُرُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، فَلَمَّا وَصَلَ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ كَبِيرٌ، وَلَكِنَّ " الْحَقَّ " أَكْبَرُ مِنْهُ. قَالَ إلْكِيَا فِي " التَّلْوِيحِ ": لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مَنَعَ جَوَازَ نَسْخِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَقْلًا فَضْلًا عَنْ الْمُتَوَاتِرِ، فَلَعَلَّهُ يَقُولُ دَلَّ عُرْفُ الشَّرْعِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَدُلَّ قَاطِعٌ مِنْ السَّمْعِ تَوَقَّفْنَا، وَإِلَّا فَمَنْ الَّذِي يَقُولُ إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُحْكَمُ بِقَوْلِهِ مِنْ نَسْخِ مَا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ، وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ فِي الْعَقْلِ. قَالَ: وَالْمُغَالُونَ فِي حُبِّ الشَّافِعِيِّ لَمَّا رَأَوْا هَذَا الْقَوْلَ لَا يَلِيقُ بِعُلُوِّ قَدْرِهِ، كَيْفَ وَهُوَ الَّذِي مَهَّدَ هَذَا الْفَنَّ وَرَتَّبَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ أَخْرَجَهُ، قَالُوا: لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ هَذَا الْعَظِيمِ مَحْمَلٌ، فَتَعَمَّقُوا فِي مَحَامِلَ ذَكَرُوهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>