أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ الْمُعْجِزِ وَلَيْسَ هَذَا فِي السُّنَّةِ. انْتَهَى. فَإِنْ قِيلَ قَدْ نُسِخَ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ بِنَهْيِهِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ. قُلْنَا: الْآيَةُ اجْتَمَعَ فِيهَا لَفْظَانِ مُتَعَارِضَانِ، فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، فَلَفْظُ: {أُوحِيَ} مَاضٍ، لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا حِينَ وُرُودِ الْآيَةِ. وَلَفْظُ " لَا " لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبِلِ بِنَصِّ سِيبَوَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [الأعلى: ١٣] وَالْمُرَادُ الِاسْتِقْبَالُ ضَرُورَةً، وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ صَرْفِ " لَا " لِأُوحِيَ، أَوْ صَرْفِ أُوحِيَ لِلَفْظِ " لَا "، فَإِنْ صَرَفْنَا " لَا " لِلَفْظِ أُوحِيَ، فَلَا نَسْخَ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ، وَإِنْ عَكَسْنَا كَانَ تَخْصِيصًا لَا نَسْخًا، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ. وَمِمَّا عَارَضَ بِهِ الْخُصُومُ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ عَمِلَ بِأَحَادِيثِ الدِّبَاغِ مَعَ أَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] فَنَسَخَ الْكِتَابَ بِالسُّنَّةِ، وَلَنَا أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّخْصِيصِ لَا النَّسْخِ. وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِ شَاةِ مَيْمُونَةَ، وَقَوْلُهُ: «هَلَّا أَخَذْتُمْ مَسْكَهَا؟ فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: نَأْخُذُ مَسْكَ شَاةٍ مَيْتَةٍ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: ١٤٥] وَإِنَّكُمْ لَا تَطْعَمُونَهُ حِينَئِذٍ» . فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام: ١٤٥] تَحْرِيمُ الْأَكْلِ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ وَهُوَ اللَّحْمُ، فَلَمْ تَتَنَاوَلْ الْآيَةُ الْجِلْدَ، وَهَذَا جَوَابٌ آخَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute