وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَنْسَخُ سُنَّةَ رَسُولِهِ، غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّ اللَّهَ إذَا نَسَخَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ تُبَيِّنُ أَنَّ سُنَّتَهُ الْأُولَى مَنْسُوخَةٌ، إمَّا بِالسُّنَّةِ أَوْ بِكِتَابِ اللَّهِ، لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ إجَازَةِ نَسْخِ اللَّهِ سُنَّةَ نَبِيِّهِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْبَيَانُ بِالنَّسْخِ فَتَخْرُجَ السُّنَنُ مِنْ أَيْدِينَا، فَإِذَا انْضَمَّ إلَى السُّنَّةِ الْأُولَى وَإِلَى الْقُرْآنِ الَّذِي أَتَى بِرَفْعِهِ سُنَّةٌ أُخْرَى تَبَيَّنَ أَنَّ السُّنَّةَ الْأُولَى مَنْسُوخَةٌ، فَقَدْ زَالَ مَا يُخَوِّفُ مِنْ اخْتِلَاطِ الْبَيَانِ بِالنَّسْخِ، وَلَا يُبَالَى بَعْدَ ذَلِكَ أَيُّهُمَا النَّاسِخُ لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ: الْكِتَابُ لِلسُّنَّةِ، أَوْ السُّنَّةُ لِلسُّنَّةِ، وَلَيْسَ فِي أَيْدِينَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْسَخُ الْكِتَابُ السُّنَّةَ، كَمَا أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَنْسَخُ الْقُرْآنَ. قَالَ: وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ فِي " الرِّسَالَةِ " أَنَّ اللَّهَ لَا يَنْسَخُ سُنَّةً إلَّا وَمَعَهَا سُنَّةٌ لَهُ تُبَيِّنُ أَنَّ سُنَّتَهُ الْأُولَى مَنْسُوخَةٌ، وَإِلَّا خَرَجَتْ السُّنَنُ مِنْ أَيْدِينَا. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ بَيِّنٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ مُحْتَمِلَةً لِلْخُصُوصِ، ثُمَّ جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ بَيَانٌ مِنْهُ لَهَا، فَإِذَا جُعِلَتْ نَاسِخَةً لَهُ فَقَدْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى إبْطَالِ الْوَضْعِ الَّذِي وَضَعَ اللَّهُ لَهُ نَبِيَّهُ مِنْ الْإِبَانَةِ عَنْ مَعْنَى الْكِتَابِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا هِيَ بَيَانٌ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ. قِيلَ: إنَّ قَوْلَهُ وَالْآيَةُ إذَا جَعَلْنَا النَّاسِخَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ النَّاسِخُ، وَأَنَّ الَّذِي يُنَافِيهِ مَنْسُوخٌ، كَقَوْلِهِ: «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» . تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: قَسَمَ الصَّيْرَفِيُّ مَا يَأْتِي مِنْ الْقُرْآنِ بِرَفْعِ مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ضَرْبَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute