الْمُسْلِمُونَ أَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ يُحَرِّمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ عَلَى الصَّائِمِ مَعَ بَيَانِ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧] انْتَهَى. وَدَعْوَاهُ النَّسْخَ فِي الثَّانِي بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧] صَرِيحٌ فِي التَّقْيِيدِ بِالْفَجْرِ، فَهُوَ النَّاسِخُ حِينَئِذٍ لَا الْإِجْمَاعُ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْأُمَّةَ لَمَّا أَجْمَعَتْ عَلَى تَرْكِ ظَاهِرِهِ دَلَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى نَسْخِهِ لَا أَنَّ الْإِجْمَاعَ هُوَ النَّاسِخُ.
وَقَالَ إلْكِيَا: يُتَصَوَّرُ نَسْخُ الْإِجْمَاعِ بِأَنَّ الْأَوَّلِينَ إذَا اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى أَحَدِهِمَا، فَنَقُولُ: إنَّ الْخِلَافَ نُسِخَ وَجُزِمَ الْقَوْلُ بِهِ مَعَ إجْمَاعِ الْأَوَّلِينَ عَلَى جَوَازِ الِاخْتِلَافِ.
قُلْنَا: الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ الْأَوَّلَ يَزُولُ بِهِ، وَمَنْ قَالَ: يَزُولُ بِهِ، قَالَ: هَذَا لَا يُعَدُّ نَاسِخًا، لِأَنَّهُمْ إنَّمَا سَوَّغُوا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَا يَمْنَعُ مِنْ الِاجْتِهَادِ، كَالْغَائِبِ عَنْ الرَّسُولِ لَا يَجْتَهِدُ إلَّا بِشَرْطِ فَقْدِ النَّصِّ، وَالْإِجْمَاعُ كَالنَّصِّ فِي ذَلِكَ، وَالِاخْتِلَافُ مَشْرُوطٌ بِشَرْطٍ. وَهَذَا بَعِيدٌ فَإِنْ نَصَّ الرَّسُولُ ذَلِكَ الْحُكْمَ الْمُخَالِفَ لَمْ يَكُنْ حُكْمَ اللَّهِ، وَهُنَا الْإِجْمَاعُ بَعْدَ الْخِلَافِ لَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يَكُنْ شَرْعِيًّا، وَإِنَّمَا اُعْتُرِضَ عَلَى دَوَامِ حُكْمِ الْخِلَافِ نَسْخًا، فَإِنْ قِيلَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ، فَهُوَ نَسْخُ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْخِلَافِ لَا مَحَالَةَ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ ": وَأَمَّا إجْمَاعُ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَلَيْسَ بِنَسْخٍ، لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَهْجُورَ بَطَلَ فِي نَفْسِهِ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَذَاهِبُ لَا تَمُوتُ بِمَوْتِ أَرْبَابِهَا، وَأَيْضًا فَلِفَقْدِ شَرْطِ الْإِجْمَاعِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ ذَابٌّ وَنَاصِرٌ. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ ": وَأَمَّا نَسْخُ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ فَمِثْلُ أَنْ تُجْمِعَ الصَّحَابَةُ فِي حُكْمٍ عَلَى قَوْلَيْنِ، ثُمَّ يُجْمِعُ الْمَانِعُونَ بَعْدَهُمْ عَلَى قَوْلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute