وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: إذَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَوَجَدْنَا خَبَرًا بِخِلَافِهِ اسْتَدْلَلْنَا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى سُقُوطِ الْخَبَرِ، لَا نَسْخِهِ أَوْ تَأْوِيلِهِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ، وَكَذَا قَالَ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِهِ: لَيْسَ لِلْإِجْمَاعِ حَظٌّ فِي نَسْخِ الشَّرْعِ، لِأَنَّهُمْ لَا يُشَرِّعُونَ، وَلَكِنَّ إجْمَاعَهُمْ يَدُلُّ عَلَى الْغَلَطِ فِي الْخَبَرِ أَوْ رَفْعِ حُكْمِهِ، لَا أَنَّهُمْ رَفَعُوا الْحُكْمَ، وَإِنَّمَا هُمْ أَتْبَاعٌ لِمَا أُمِرُوا بِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ: يَجُوزُ النَّسْخُ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ لَا بِنَفْسِهِ، بَلْ بِمُسْتَنَدِهِ. فَإِذَا رَأَيْنَا نَصًّا صَحِيحًا وَالْإِجْمَاعُ بِخِلَافِهِ، اسْتَدْلَلْنَا بِذَلِكَ عَلَى نَسْخِهِ، وَأَنَّ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ اطَّلَعُوا عَلَى نَاسِخٍ، وَإِلَّا لَمَا خَالَفُوهُ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: جَوَّزَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنْ يُورَدَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ. قَالَ: وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَهَذَا عِنْدَنَا خَطَأٌ فَاحِشٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْدُومٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] وَكَلَامُ الرَّسُولِ وَحْيٌ مَحْفُوظٌ. اهـ. وَمِمَّنْ جَوَّزَ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ نَاسِخًا الْحَافِظُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِ الْفَقِيهِ وَالْمُتَفَقِّهِ " وَمَثَّلَهُ بِحَدِيثِ الْوَادِي الَّذِي فِي الصَّحِيحِ حِينَ نَامَ الرَّسُولُ وَأَصْحَابُهُ، فَمَا أَيْقَظَهُمْ إلَّا حَرُّ الشَّمْسِ. وَقَالَ فِي آخِرِهِ: «فَإِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ عَنْ صَلَاةٍ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَذْكُرُهَا، وَمِنْ الْغَدِ لِلْوَقْتِ» . قَالَ: فَأَعَادَ الصَّلَاةَ الْمَنْسِيَّةَ بَعْدَ قَضَائِهَا حَالَ الذِّكْرِ وَفِي الْوَقْتِ مَنْسُوخٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ. وَمَثَّلَهُ أَيْضًا بِحَدِيثٍ أَسْنَدَهُ إلَى زِرٍّ قَالَ: «قُلْت لِحُذَيْفَةَ: أَيَّ سَاعَةٍ تَسَحَّرْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: هُوَ النَّهَارُ إلَّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ» . فَقَالَ: أَجْمَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute