قَالَ صَاحِبُ " التَّحْصِيلِ ": وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: وَفِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ نَظَرٌ، فَلْيَتَأَمَّلْهُ النَّاظِرُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ تَجْوِيزَهُ نَسْخَ الْقِيَاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِجْمَاعِ، يُنَاقِضُ قَوْلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ: إنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ فِي زَمَانِهِ، كَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ، وَنَقْلُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلَانِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، بَلْ الْخِلَافُ ثَابِتٌ فِي تَجْوِيزِ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالْقِيَاسِ كَمَا سَبَقَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ مُطْلَقًا، فَإِنَّا وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، كَالْقِبْلَةِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْهَا، فَإِنَّهُ تَكْلِيفٌ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ.
وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: نُقِلَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَنَّهُ مَنَعَ نَسْخَ الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا تُنْسَخُ أُصُولُهُ، وَأُصُولُهُ بَاقِيَةٌ لَمْ تُنْسَخُ. وَنُقِلَ عَنْهُ الْجَوَازُ، وَالْحَقُّ الْبَيِّنُ مَا قَسَمَهُ أَصْحَابُنَا فَقَالُوا: إذَا كَانَ الْقِيَاسُ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ جَازَ نَسْخُهُ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْقِيَاسِ، فَإِذَا قَالَ: لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ، وَنَبَّهَ عَلَى عِلَّتِهِ فَعَدَّيْنَاهَا إلَى الْأُرْزِ، ثُمَّ وُجِدَ نَصٌّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ يَقْتَضِي إبَاحَةَ بَيْعِ الْأُرْزِ بِالْأُرْزِ مُتَفَاضِلًا، فَإِنَّهُ نَسْخٌ لِحُكْمِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ، أَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَا يَجُوزُ نَسْخُهُ، لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ بَعْدَ الْوَفَاةِ تَجَدُّدُ شَرْعٍ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ فِي الْقِيَاسِ إنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً، فَهِيَ فِي مَعْنَى النَّصِّ، وَيُمْكِنُ نَسْخُهُ بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ فِي مَعْنَاهُ لَوْ ذَهَبَ إلَيْهِ ذَاهِبٌ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى نَاسِخِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ مَا ظَنَّهُ، فَرُفِعَ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى النَّاسِخِ لَا يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute