للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ فِي الدَّرْسِ: إنْ كَانَ مَعْلُومَ الْعِلَّةِ جَازَ نَسْخُهُ. قَالَ: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ نَصَّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْبُرِّ هِيَ الْكَيْلُ، وَأَمَرَ بِالْقِيَاسِ، لَكَانَ ذَلِكَ كَالنَّصِّ فِي تَحْرِيمِ الْأُرْزِ، فَكَمَا جَازَ أَنْ يُحَرِّمَ الْأَرُزَّ ثُمَّ يَنْسَخَهُ جَازَ أَنْ يَنْسَخَ عَنَّا تَحْرِيمَ الْأُرْزِ الْمُسْتَفَادِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، وَيَمْنَعُ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْبُرِّ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ ": إنَّمَا يُنْسَخُ بِقِيَاسٍ أَجْلَى مِنْهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي " الْمَحْصُولِ " تَبَعًا لِصَاحِبِ " الْمُعْتَمَدِ "، وَابْنِ الصَّبَّاغِ: يُنْسَخُ الْقِيَاسُ إنْ كَانَ فِي حَيَاتِهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ رَفْعُهُ بِالنَّصِّ، وَبِالْإِجْمَاعِ، وَبِالْقِيَاسِ، أَمَّا بِالنَّصِّ فَبِأَنْ يَنُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْفَرْعِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْقِيَاسِ بَعْدَ اسْتِمْرَارِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ، وَأَمَّا بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ إذَا اخْتَلَفَتْ الْأُمَّةُ عَلَى قَوْلَيْنِ قِيَاسًا، ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَانَ إجْمَاعُهُمْ رَافِعًا لِحُكْمِ الْقِيَاسِ الْمُقْتَضِي لِلْقَوْلِ الْآخَرِ، وَأَمَّا بِالْقِيَاسِ فَبِأَنْ يَنُصَّ عَلَى صُورَةٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَيَجْعَلَهُ مُعَلَّلًا بِعِلَّةٍ مَوْجُودَةٍ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ. وَيَكُونَ أَمَارَةُ عِلِّيَّتِهَا أَقْوَى مِنْ أَمَارَةِ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُهُ فِي الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ لَا يُسَمَّى نَسْخًا فِي اللَّفْظِ، كَمَا إذَا أَفْتَى الْمُجْتَهِدُ بِالْقِيَاسِ، ثُمَّ ظَفِرَ بِالنَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالْقِيَاسِ الْمُخَالِفِ لِلْأَوَّلِ، فَإِنْ قُلْنَا: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، كَانَ هَذَا الْوُجْدَانُ نَسْخًا لِقِيَاسِهِ الْأَوَّلِ.

وَإِنْ قُلْنَا: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ الْأَوَّلُ مُتَعَبَّدًا بِهِ، فَلَمْ يَكُنْ النَّصُّ الَّذِي وَجَدَهُ آخِرًا نَاسِخًا لِذَلِكَ الْقِيَاسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>