وَأَمَّا كَوْنُهُ مَنْسُوخًا فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ، قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَفِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا نُسِخَ الْأَصْلُ، هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ نَسْخًا لِلْقِيَاسِ؟ قَالَ: وَصُورَتُهُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي عَيْنٍ بِعِلَّةٍ، وَيُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا، ثُمَّ يُنْسَخُ الْحُكْمُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ، لِأَنَّ الْفَرْعَ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ، فَإِذَا بَطَلَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ بَطَلَ فِي الْفَرْعِ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ ": نُقِلَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَسْخَ أُصُولِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهِيَ لَمْ تُنْسَخْ. وَنُقِلَ عَنْهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُهُ. قَالَ: وَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُهُ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ بِالْكِتَابِ، لَا السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ. وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يَجُوزُ. اهـ.
وَكَذَا قَالَ إلْكِيَا: قِيلَ لَا يَصِحُّ نَسْخُهُ، لِأَنَّهُ مَعَ الْأُصُولِ، فَمَا دَامَتْ الْأُصُولُ ثَابِتَةً فَنَسْخُهُ لَا يَصِحُّ. قَالَ: وَهَذَا عِنْدَنَا بَعْدَ الرَّسُولِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ مِنْ أَصْلِهِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ النَّسْخِ فِي شَيْءٍ، بَلْ يَظْهَرُ مُخَالِفٌ أَوْ لَا يَظْهَرُ، وَكَيْفَمَا قُدِّرَ فَلَا يَكُونُ نَسْخًا، وَإِنْ كَانَ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ إنْ قُلْنَا بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلْغَائِبِ عَنْهُ، بِنَاءً عَلَى الْأُصُولِ. فَإِذَا طَرَأَ نَاسِخٌ بَعْدَهُ صَحَّ نَسْخُ الْقِيَاسِ، ثُمَّ يَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ نَسْخُ الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ تَبَعٌ لِلْأُصُولِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ ارْتَفَعَ التَّبَعُ. وَأَطْلَقَ سُلَيْمٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقِيَاسِ. قَالَ: لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ أَصْلِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ أَصْلِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ ": مَنَعَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ مِنْ نَسْخِ الْقِيَاسِ. قَالَ: لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأُصُولِ، فَلَمْ يَجُزْ مَعَ ثُبُوتِهَا رَفْعُهُ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute