للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ، وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا. اهـ.

الرَّابِعُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عِلَّتُهُ مَنْصُوصَةً، كَقَوْلِهِ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِأَجْلِ الشِّدَّةِ، فَهَذَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ مَعَ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ، وَيُرْفَعُ بِهِ حُكْمُ تَحْلِيلِ الْأَنْبِذَةِ الَّتِي فِيهَا الشِّدَّةُ، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَنْبَطَةً فَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تُسْتَنْبَطَ مِنْ خِطَابٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ الْخِطَابِ الْمُعَارِضِ لَهَا، فَهَذَا قَدْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِنَسْخِهَا لِلْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ. وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْعُ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مُسْتَخْرَجَةً مِنْ خِطَابٍ سَابِقٍ عَلَى الْخِطَابِ الْمُعَارِضِ لَهَا، فَهَذَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَرِدَ شَرْعٌ بِنَسْخِهَا لِلْخِطَابِ الْمُتَأَخِّرِ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ تَحْرِيمُ الْمُبَاحِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ، ثُمَّ يَرِدُ الْخِطَابُ الْمَنْسُوخُ بَعْدَ الْعِلَّةِ النَّاسِخَةِ بِالْإِبَاحَةِ فَيَجْتَمِعُ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ التَّكْلِيفَ. قَالَ الْبَاجِيُّ فِي أَحْكَامِهِ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ. وَفَصَلَ الْآمِدِيُّ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً فَيَصِحُّ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ قَطْعِيًّا كَقِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي السِّرَايَةِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا، لَكِنْ لَيْسَ نَسْخًا، لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِخِطَابٍ، وَالنَّسْخُ عِنْدَهُ هُوَ الْخِطَابُ، وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا بِأَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مُسْتَنْبَطَةً فَلَا يَكُونُ نَاسِخًا. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ " أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ يَعْنِي الْعِلَّةَ مَنْصُوصَةً، فَالْأَقْرَبُ أَنَّ النَّاسِخَ هُوَ مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ، وَلَكِنْ فَعَلْنَا بِشَرْطٍ، وَجَعَلَ الْهِنْدِيُّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ. وَقَالَ: أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَنْسَخُ بِالِاتِّفَاقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>