عَنْ الْأَنْمَاطِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْقِيَاسُ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْقُرْآنِ يُنْسَخُ بِهِ الْقُرْآنُ، وَالْقِيَاسُ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْ السُّنَّةِ يُنْسَخُ بِهِ السُّنَّةُ. وَحَكَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْهُ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ، وَقَالَ: مَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا. وَقَالَ: جَوَّزَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ. وَحَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ الْأَنْمَاطِيِّ التَّفْصِيلَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِخِلَافٍ فِي الْحَقِيقَةِ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَهُ مَفْهُومُ الْخِطَابِ، وَهُوَ لَيْسَ بِقِيَاسٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا يَجْرِي مُجْرَى النَّصِّ. وَقَسَمَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا عُرِفَ مَعْنَاهُ مِنْ ظَاهِرِ النَّصِّ بِغَيْرِ الِاسْتِدْلَالِ، كَقَوْلِهِ: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ قِيَاسًا لَا لَفْظًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي جَوَازِ النَّسْخِ بِهِ وَجْهَانِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْمَنْعِ.
الثَّانِي: مَا عُرِفَ كَنَهْيِهِ عَنْ الضَّحِيَّةِ بِالْعَوْرَاءِ وَالْعَرْجَاءِ، فَكَانَتْ الْعَمْيَاءُ قِيَاسًا عَلَى الْعَوْرَاءِ، وَالْعَرْجَاءِ عَلَى الْقَطْعِ، لِأَنَّ نَقْصَهَا أَكْثَرُ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِهِ بِخِلَافِ أَصْلِهِ، وَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِالِاتِّفَاقِ، لِجَوَازِ وُرُودِ التَّعَبُّدِ فِي الْفَرْعِ بِخِلَافِ أَصْلِهِ.
الثَّالِثُ: مَا عُرِفَ مَعْنَاهُ بِاسْتِدْلَالٍ ظَاهِرٍ بِتَأَدِّي النَّظَرِ، كَقِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي السِّرَايَةِ، وَقِيَاسِ الْعَبْدِ عَلَيْهَا فِي تَنْصِيفِ الْحَدِّ، فَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute