الرَّابِعُ: إذَا أَوْجَبَ اللَّهُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ عَيْنًا، ثُمَّ خَيَّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ، أَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ، ثُمَّ زَادَ ثَالِثًا وَهُوَ الْعِتْقُ، فَهَلْ يَكُونُ نَسْخًا لِوُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ؟ قَالَ الْإِمَامُ، وَالْآمِدِيَّ: لَيْسَ بِنَسْخٍ، لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الْكُلِّ وَاجِبًا عَلَى التَّعْيِينِ وُجُوبُهُ، وَأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَوُجُوبُهُ لَمْ يَرْتَفِعْ، وَإِنَّمَا الْمُرْتَفِعُ عَدَمُ قِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، وَإِنَّمَا يُنْتَقَضُ النَّفْيُ الْأَصْلِيُّ، فَلَا يَكُونُ رَفْعُهُ نَسْخًا. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّهُ نَسْخٌ، لِأَنَّ التَّخْيِيرَ وَالتَّعْيِينَ حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ، وَقَدْ رُفِعَ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي وَهُوَ الصَّوَابُ.
الْخَامِسُ: إذَا زِيدَ فِي الطَّهَارَةِ اشْتِرَاطُ غَسْلِ عُضْوٍ زَائِدٍ عَلَى الْأَعْضَاءِ السِّتَّةِ، فَلَا يَكُونُ نَسْخًا لِوُجُوبِ غَسْلِهَا، إذْ هِيَ وَاجِبَةٌ مَعَ وُجُوبِ غَسْلِ الْعُضْوِ الزَّائِدِ، وَلَا لِإِجْزَائِهَا.
السَّادِسُ: قَبِلَ أَصْحَابُنَا خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَرَدَّهُ الْحَنَفِيَّةُ، لِأَنَّهُ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] قَالُوا: فَإِنَّ الْأَمْرَ كَانَ دَائِرًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَزِيدَ ثَالِثٌ، وَالزِّيَادَةُ نَسْخٌ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَنْسَخُ الْكِتَابَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَالْآيَةَ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ فِي الِاسْتِشْهَادِ، وَالْحَدِيثَ فِي الْحُكْمِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَالِاسْتِشْهَادُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَلَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَهُوَ حَسَنٌ. لَا يُقَالُ: مَفْهُومُ الْآيَةِ يَقْتَضِي الْحَصْرَ، وَيَمْنَعُ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ، لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا يَمْتَنِعُ اسْتِشْهَادُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِذَلِكَ، إذْ يَمْتَنِعُ الْإِرْشَادُ فِي الِاسْتِشْهَادِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute