وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ ": لَيْسَ مَعْنَى الْوَقْفِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ حُكْمُ نَقْلِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَالْمَانِعُ مِنْ الْقَوْلِ بِالْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مَانِعٌ مِنْ الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْوَقْفِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لِلشَّيْءِ بِحَظْرٍ وَلَا إبَاحَةٍ لَكِنْ يُتَوَقَّفُ فِي الْحُكْمِ لِشَيْءٍ مَا إلَى أَنْ يَرِدَ بِهِ الشَّرْعُ. قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى حُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى الشَّرْعِ. فَنَقُولُ: الْمُبَاحُ مَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ، وَالْمَحْظُورُ مَا حَظَرَهُ، فَإِذَا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَبْقَ إلَّا الْوَقْفُ إلَى أَنْ يَرِدَ السَّمْعُ بِحُكْمٍ فِيهِ. اهـ. وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ ": تَأْوِيلُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا الْوَقْفُ لَا يَرْجِعُ إلَى إثْبَاتِ صِفَةٍ هِيَ عَلَيْهَا فِي الْعَقْلِ وَلَكِنْ إلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا غَيْرُ مَحْكُومٍ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ أَوْ مَحْظُورٌ خِلَافًا لِمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مَحْكُومٌ لَهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. فَعَبَّرْنَا عَنْ نَفْيِ الْحُكْمِ بِأَنَّهُمَا عَلَى الْوَقْفِ. وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إذَا كَانَ هَذَا مِنْ حُكْمِهَا ثَابِتًا عِنْدَكُمْ فِي الْعَقْلِ فَقَدْ جَعَلْتُمْ لَهَا حُكْمًا ثَالِثًا فِي الْعَقْلِ، وَأَنَّ ذَلِكَ نَقْضٌ لِقَوْلِكُمْ: لَا حُكْمَ لَهَا فِي الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ غَرَضَنَا مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهَا بِحَظْرٍ وَلَا إبَاحَةٍ وَهَذَا خِلَافٌ فِي عِبَارَةٍ. انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا الْحُسَيْنِ بْنَ الْقَطَّانِ حَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةَ مَذَاهِبَ: الْإِبَاحَةَ وَالْحَظْرَ، وَالثَّالِثَ: الْوَقْفَ عَلَى الْأَدِلَّةِ، فَمَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَنَفَى النَّافِي عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهَا. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ مَحْظُورَةً وَلَا مُبَاحَةً. وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْإِبَاحَةَ تَحْتَاجُ إلَى مُبِيحٍ وَالْحَظْرَ يَحْتَاجُ إلَى حَاظِرٍ فَيُشِيرُ بِمَا يُوجِبُ حُكْمَهُ فِيهِمَا. انْتَهَى.
وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي تَفْسِيرِ الْوَقْفِ كَمَا سَبَقَ. ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ تَحْرِيكَ الْيَدِ وَنَحْوَهُ قَدْ حَصَلَ الْإِذْنُ فِيهِ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْجَوَارِحَ لَا تَنْفَكُّ مِنْ حَرَكَةٍ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute