وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: مَعْنَى الْوَقْفِ عِنْدَنَا أَنَّا إذَا سَبَرْنَا أَدِلَّةَ الْعُقُولِ دَلَّتْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا وَاجِبَ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ الشَّرْعِ فِي التَّرْكِ وَالْفِعْلِ. ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِمْ وَقَوْلِ أَصْحَابِ أَهْلِ الْإِبَاحَةِ: أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْوَقْفِ عِنْدَهُمْ كُلُّ مَنْ اعْتَقَدَ فِيهِ نَوْعًا مِنْ الِاعْتِقَادِ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الذَّمُّ، وَالْقَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ لَا يُجَوِّزُونَ اعْتِقَادَ الْحَظْرِ فِي الْإِبَاحَةِ، وَمَنْ قَالَهُ وَاعْتَقَدَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الذَّمُّ. انْتَهَى.
فَظَنَّ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ اتِّحَادَ الْمَذْهَبَيْنِ. فَقَالَ: إنَّ الْقَائِلِينَ بِالْوَقْفِ قَالُوا: إنَّ مَنْ تَأَوَّلَ شَيْئًا أَوْ فَعَلَ فِعْلًا لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ أَثِمَ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلُ الشَّرْعِ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُمْ وَافَقُوا فِي الْحُكْمِ وَخَالَفُوا فِي الِاسْمِ. وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ذَهَبَ أَهْلُ الْحَقِّ إلَى أَنَّ فِي الْعَقْلِ بِمُجَرَّدِهِ دَلِيلًا عَلَى أَنْ لَا وَاجِبَ عَلَى الْإِنْسَانِ قَبْلَ بَعْثَةِ الرُّسُلِ، وَأَنَّ لِلَّهِ أَنْ يُوجِبَ عَلَيْنَا مَا شَاءَ مِمَّا أَمْكَنَ بِرَسُولٍ بَعَثَهُ. قَالُوا: وَلَوْ اسْتَدَلَّ مُسْتَدِلٌّ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ أَمْكَنَهُ الْوُصُولُ إلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ بِمَا نَصَبَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَيَسْتَحِيلُ قَلْبُهَا عَمَّا هِيَ عَلَيْهَا. قَالَ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ عَلَى الْوَقْفِ قَبْلَ الشَّرْعِ. وَتَفْسِيرُهُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا قَبْلَ وُرُودِ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يُقْطَعُ لَهُ بِثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ. قُلْت: وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَقْفِ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لَا التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ الْأَمْرَ مَا هُوَ؟ أَبُو نَصْرِ بْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ بَرْهَانٍ. فَقَالَ: الْقَائِلُونَ بِالْوَقْفِ لَمْ يُرِيدُوا بِهِ أَنَّ الْوَقْفَ حُكْمٌ ثَابِتٌ وَلَكِنْ عَنَوْا بِهِ عَدَمَ الْحُكْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute