للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا ادَّعَى نَسْخَهُ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ النَّصُّ النَّاسِخُ، وَيَكُونُ حَاصِلُ الصَّحَابِيِّ الْإِعْلَامُ بِالْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ، وَقَوْلُهُ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَوْمَأَ إلَى أَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ، لَمْ يَصِرْ إلَى قَوْلِهِ حَتَّى يُبَيِّنَ النَّاسِخَ.

وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ " إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: هَذَا مَنْسُوخٌ، فَقِيلَ: يُقْبَلُ مُطْلَقًا وَقِيلَ بِالْمَنْعِ. وَقِيلَ: إنْ أَطْلَقَ قُبِلَ. وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى نَاسِخٍ زَعَمَ أَنَّهُ الَّذِي نَسَخَهُ، نُظِرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوجِبُ النَّسْخَ حُكِمَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ: وَلَسْت أَحْفَظُ فِي هَذَا عَنْ أَصْحَابِنَا شَيْئًا، وَلَكِنْ عِنْدِي إنْ كَانَ فِي مَعْنَى النَّسْخِ وَصِفَتِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُخَرَّجَ فِيهِ قَوْلَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ فِي صِفَةِ النَّسْخِ وَشُرُوطِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ. انْتَهَى.

وَأَطْلَقَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ النَّسْخَ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ، وَكَذَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي مَسْأَلَةِ قَوْلِ الرَّاوِي: أُمِرْنَا، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُحَدِّثُونَ، وَمِنْهُمْ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ السَّابِقِ ذَكَرَهُ فِي الْإِجْمَاعِ، وَقَدْ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ عَائِشَةَ فِي الرَّضَعَاتِ إنَّ الْعَشْرَ مِنْهَا نُسِخْنَ بِالْخَمْسِ، وَاحْتَجُّوا عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: ٥٢] مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} [الأحزاب: ٥٠] لِأَجْلِ قَوْلِ عَائِشَةَ: «مَا مَاتَ الرَّسُولُ حَتَّى أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ النِّسَاءَ اللَّاتِي حُظِرْنَ عَلَيْهِ» . لَكِنْ أَجَابَ الْقَاضِي عَنْ هَذَا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْسَخُوا بِقَوْلِ عَائِشَةَ، بَلْ بِحُجَّتِهَا فِي النَّسْخِ، فَلِأَجَلْ الْآيَةِ وَالتَّأَوُّلِ لَهَا قَالُوا وَقَالَتْ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>