وَوَرَاءَ ذَلِكَ أُمُورٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ الصَّحَابِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَسَخْتُ عَنْكُمْ كَذَا. قَالَ الْقَاضِي: وَيَجِبُ قَبُولُهُ إذَا كَانَ الْمَنْسُوخُ مِنْ غَيْرِ الْآحَادِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوجِبُ الْعِلْمَ، لَمْ يَرْفَعْ مِثْلَ هَذَا، إلَّا أَنْ يَنْضَمَّ مَا يُوجِبُ الْقَطْعَ.
الثَّانِي: هَذَا كُلُّهُ إذَا صَرَّحَ بِالنَّسْخِ قِيَاسًا، وَأَمَّا إذَا قَالَ قَوْلًا يُخَالِفُ الْحَدِيثَ، فَلَا يَقْتَضِي نَسْخَ النَّصِّ سَوَاءٌ انْتَشَرَ أَمْ لَا. قَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا. قَالَ: وَمَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ حُجَّةً إذَا انْتَشَرَ، وَلَمْ يُحْفَظْ لَهُ مُخَالِفٌ تُرِكَ بِهِ حُكْمُ النَّصِّ، وَتَبَيَّنَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ إجْمَاعٌ.
الثَّالِثُ: إذَا كَانَ رَاوِي أَحَدِهِمَا مُتَقَدِّمَ الصُّحْبَةِ، وَالْآخَرُ مُتَأَخِّرًا، فَقَسَمَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ إلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ تَنْقَطِعَ صُحْبَةُ الْأَوَّلِ عِنْدَ صُحْبَةِ الثَّانِي، فَيَكُونُ الْحُكْمُ الَّذِي رَوَاهُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخًا لِلَّذِي رَوَاهُ الْأَوَّلُ كَرِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَسِّ الذَّكَرِ.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا تَنْقَطِعَ صُحْبَةُ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَ صُحْبَةِ الْمُتَأَخِّرِ، فَلَا تَكُونُ رِوَايَةُ الْمُتَأَخِّرِ الصُّحْبَةِ نَاسِخَةً لِرِوَايَةِ الْمُتَقَدِّمِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَقَدِّمُ رَاوِيًا لِمَا تَأَخَّرَ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَاوِيًا لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِثْبَاتُ النَّسْخِ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ مُمْتَنِعٌ، كَرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّشَهُّدِ، فَلَا تَكُونُ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ نَاسِخَةً لِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَكِنْ يَطْلُبُ التَّرْجِيحَ مِنْ خَارِجٍ. اهـ. وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ إلْكِيَا، وَصَاحِبُ " الْمَصَادِرِ " وَمَثَّلَا بِهِ، وَجَزَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute