بِهِ ثُمَّ نَسِيَ، فَلَا أُبَعِّدُ أَنْ يَنْسَى ثُمَّ لَا يَتَذَكَّرُ حَتَّى يَنْقَرِضَ زَمَانُهُ، وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى النِّسْيَانِ، مِثْلُ أَنْ يَنْسَى صَلَاةً، ثُمَّ لَا يَتَذَكَّرُهَا. اهـ. وَفَصَّلَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النَّسْخِ بَيْنَ مَا لَا يَحْفَظُهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَالنَّبِيُّ مَعْصُومٌ مِنْ النِّسْيَانِ قَبْلَ التَّبْلِيغِ وَبَعْدَهُ، فَإِنْ حَفِظَهُ جَازَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْبَشَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي: حَسِبْت أَنَّهَا رُفِعَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَمْ تُرْفَعْ، وَلَكِنْ نُسِّيتُهَا» . وَقَالَ: ذَهَبَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَى امْتِنَاعِ النِّسْيَانِ، وَذَهَبَ الْقَاضِي إلَى جَوَازِهِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ الرَّازِيَّ فَادَّعَى فِي بَعْضِ كُتُبِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى الِامْتِنَاعِ، وَحَكَى الْخِلَافَ فِي بَعْضِهَا.
قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا طَرِيقُهُ التَّبْلِيغُ فِيهِ مِمَّا يُقْطَعُ بِدُخُولِهِ تَحْتَ دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى الصِّدْقِ، فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الْإِجْمَاعِ، وَمَا طَرِيقُهُ التَّبْلِيغُ وَالْبَيَانُ لِلشَّرَائِعِ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، فَيُحْمَلُ كَلَامُ الرَّازِيَّ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا، وَحَاصِلُ الْخِلَافِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ هَلْ هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى التَّصْدِيقِ، أَمْ لَا؟ فَمَنْ جَعَلَهُ دَاخِلًا فِيهَا مَنَعَهُ، وَقَالَ: لَوْ جَازَ تَبَعَّضَتْ دَلَالَةُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى التَّصْدِيقِ، وَمَنْ جَعَلَهُ غَيْرَ دَاخِلٍ فِيهَا جَوَّزَهُ لِعَدَمِ انْتِقَاصِ الدَّلَالَةِ. وَأَمَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ فَحَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى امْتِنَاعِ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْأَقْوَالِ الْبَلَاغِيَّةِ، وَخَصَّ الْخِلَافَ بِالْأَفْعَالِ، وَأَنَّ الْأَكْثَرِينَ ذَهَبُوا إلَى الْجَوَازِ، وَأَنَّ الْمَانِعِينَ تَأَوَّلُوا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي سَهْوِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ لِيَقَعَ النِّسْيَانُ فِيهِ بِالْفِعْلِ، وَخَطَّأَهُمْ فِي ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالنِّسْيَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute