بِقَوْلِهِ: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيت فَذَكِّرُونِي» ، وَلِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْعَمْدِيَّةَ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَالْبَيَانُ كَافٍ بِالْقَوْلِ، فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْفِعْلِ، وَحَيْثُ [قُلْنَا] بِالْجَوَازِ، فَالشَّرْطُ - بِالِاتِّفَاقِ - أَنْ لَا يُقَرَّ أَحَدُهُمْ عَلَيْهِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ لِمَا يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَيْهِ مِنْ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ بِالتَّشْرِيعِ. وَاشْتَرَطَ الْجُمْهُورُ اتِّصَالًا لِتَنْبِيهٍ بِالْوَاقِعَةِ، وَمِيلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَأَمَّا الْأَقْوَالُ فَلَا خِلَافَ فِي امْتِنَاعِ ذَلِكَ فِيهَا، وَفِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكْتُبُ كُلَّ مَا أَسْمَعُ مِنْك؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَإِنِّي لَا أَقُولُ إلَّا حَقًّا» .
قَالَ: وَتَنْزِيهُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاجِبٌ بُرْهَانًا وَإِجْمَاعًا كَمَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ، وَفِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مَا يَقْتَضِي وُجُودَ خِلَافٍ فِيهِ، وَهُوَ مُؤَوَّلٌ عَلَى مَا لَيْسَ طَرِيقُهُ الْبَلَاغَ. وَقَالَ الرَّازِيَّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّبْلِيغِ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الْعِصْمَةِ فِيهِ مِنْ الْكَذِبِ وَالتَّحْرِيفِ عَمْدًا وَسَهْوًا، وَمِنْهُمْ مِنْ جَوَّزَهُ سَهْوًا، وَلَا يَحْسُنُ حِكَايَةُ الْخِلَافِ بَعْدَ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ. وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَكَلَامُهُ مُوَافِقٌ لِجُمْهُورِ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي: وَأَمَّا مَا لَيْسَ سَبِيلُهُ الْبَلَاغَ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْوَحْيِ وَلَا بِالْأَحْكَامِ، فَاَلَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ تَنْزِيهُ النَّبِيِّ عَنْ أَنْ يَقَعَ خَبَرُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، بِخِلَافِ مَخْبَرِهِ، لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا وَلَا غَلَطًا، وَأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي كُلِّ حَالٍ: رِضَاهُ وَغَضَبِهِ، وَمِزَاحِهِ؛ لِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَالصَّحَابَةِ عَلَى تَصْدِيقِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute