وَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ الْأَخِيرَ مِنْهَا إذَا عُلِمَ، وَحَكَى صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ " عَنْ ابْنِ رُشْدٍ: أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَفْعَالِ كَالْحُكْمِ فِي الْأَقْوَالِ، وَمَثَّلَهُ بِرِوَايَةِ وَائِلٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ «رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ» وَعَدَمُ ذَلِكَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يَجُوزُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ. فَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ فَالنَّسْخُ، وَإِنْ جُهِلَ فَالتَّرْجِيحُ، وَإِلَّا فَهُمَا مُتَعَارِضَانِ كَالْقَوْلَيْنِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْإِبَاحَةِ فَلَا تَعَارُضَ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: فِي " الْمَنْخُولِ " إذَا نُقِلَ فِعْلٌ، وَحُمِلَ عَلَى الْوُجُوبِ، ثُمَّ نُقِلَ فِعْلٌ يُنَاقِضُهُ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يُقْطَعُ عَلَى أَنَّهُ نَاسِخٌ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ انْتِهَاءٌ لِمُدَّةِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ. قَالَ: وَهَذَا مُحْتَمَلٌ فَيُتَوَقَّفُ فِي كَوْنِهِ نَاسِخًا، وَنَعْلَمُ انْتِهَاءَ ذَلِكَ الْحُكْمِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ. قَالَ: وَذَهَبَ مُجَاهِدٌ إلَى أَنَّهُ نَسْخٌ، وَتَرَدَّدَ فِي الْقَوْلِ الطَّارِئِ عَلَى الْفِعْلِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْفَرْقِ، وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَطْلَقَ إلْكِيَا عَدَمَ تَصَوُّرِ تَعَارُضِ الْفِعْلَيْنِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا عُلِمَ بِدَلَالَةٍ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ إدَامَتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مَا بَعْدَهُ نَاسِخًا لَهُ. قَالَ: وَعَلَى مِثْلِهِ بَنَى الشَّافِعِيُّ مَذْهَبَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ. فَقَالَ: وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ فِي فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ كَانَ آخَرُ الْأَمْرَيْنِ عَلَى مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ قَبْلَ السَّلَامِ، وَكَانَ يُؤْخَذُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute