للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ ": الْمُخْتَارُ [إنْ] اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ الْفِعْلَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ [تَوَقَّفْنَا فِي الْأَفْضَلِ] ، وَإِنْ ادَّعَى كُلُّ فَرِيقٍ [يَتَمَسَّكُ] بِرِوَايَةٍ بُطْلَانَ مَذْهَبِ صَاحِبِهِ [فَيُتَوَقَّفُ] وَلَا يُفْهَمُ الْجَوَازُ فِيهِمَا، [فَإِنَّهُمَا] مُتَعَارِضَانِ، وَيُعْلَمُ أَنَّ الْوَاقِعَ [مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] أَحَدُهُمَا، وَلَا يُرَجَّحُ، وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ وَاحِدٍ [فَنَحْكُمُ بِهِ وَنَتَوَقَّفُ] فِي الْآخَرِ. وَالشَّافِعِيُّ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ، وَقَدْ رَجَّحَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ [لِقُرْبِهِ] إلَى هَيْئَةِ الصَّلَاةِ.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إذَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلَانِ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُ أَحَدِهِمَا طُلِبَ التَّأْرِيخُ حَتَّى يُعْلَمَ الْآخِرُ، فَيَكُونُ هُوَ النَّاسِخَ، كَتَعَارُضِ الْقَوْلَيْنِ. هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَرَأَى الْقَاضِي أَنَّ النُّسَخَ هَاهُنَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ كَمَا دَعَتْ فِي الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَقْصُورٌ عَلَى فَاعِلِهِ لَا يَتَعَدَّاهُ، وَلَيْسَ كَالصِّيَغِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مَعَانٍ مُتَضَادَّةٍ. فَإِذَا وَجَدْنَا فِعْلَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ، حَمَلْنَاهُمَا عَلَى التَّجْوِيزِ وَالْإِبَاحَةِ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، إلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَلَيْسَ الْقَاضِي مِنْ الْقَائِلِينَ بِهِ، وَالصَّحِيحُ اتِّبَاعُ آخِرِ الْفِعْلَيْنِ. قَالَ: وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ رِوَايَةَ خَوَّاتٍ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ؛ لِتَأَخُّرِ رِوَايَةِ خَوَّاتٍ، فَإِنَّهَا فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَرِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ فِي غَيْرِهَا، وَنَازَعَهُ الْمَازِرِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهَا. قَالَ: وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ بَعْدَهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ قَدَّمَ رِوَايَةَ خَوَّاتٍ لِضَرْبٍ مِنْ التَّرْجِيحِ، وَفِي التَّعَادُلِ بَيْنَهُمَا نَظَرٌ، فَذَكَرَهُ. قَالَ: وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ مَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْأَخْذِ بِآخِرِ الْأَمْرَيْنِ تَارِيخًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْطَعُ بِذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدَهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ اتِّبَاعُ آخِرِ الْفِعْلَيْنِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) قَدَّمُوا الْمُتَأَخِّرَ تَقْدِمَةً أَوْلَى وَأَفْضَلَ، لَا تَقْدِمَةَ نَاسِخٍ عَلَى مَنْسُوخٍ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>