وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَجَدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ، وَكَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ قَبْلُ، فَرَأَى الْعُلَمَاءُ الْأَخْذَ بِذَلِكَ أَوْلَى، ثُمَّ قَالَ تَبَعًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ: وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِيمَا إذَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلَانِ مُؤَرَّخَانِ مُخْتَلِفَانِ أَنَّ الْوَاجِبَ التَّمَسُّكُ بِآخِرِهِمَا، وَاعْتِقَادُ كَوْنِهِ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ. وَقَالَ: وَقَدْ ظَهَرَ مَيْلُ الشَّافِعِيِّ إلَى هَذَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ: صَحَّ فِيهَا رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ وَرِوَايَةُ خَوَّاتٍ. ثُمَّ رَأَى الشَّافِعِيِّ رِوَايَةَ خَوَّاتٍ مُتَأَخِّرَةٌ، وَقَدَّرَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ فِي غَزْوَةٍ سَابِقَةٍ. وَرُبَّمَا سَلَكَ مَسْلَكًا آخَرَ فَسُلِّمَ اجْتِمَاعُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي غَزْوَةٍ وَاحِدَةٍ، وَرَآهُمَا مُتَعَارِضَيْنِ، ثُمَّ رَجَّحَ أَحَدَهُمَا، فَرَجَّحَ رِوَايَةَ خَوَّاتٍ لِقُرْبِهَا مِنْ الْأُصُولِ، فَإِنَّ فِيهَا قِلَّةَ الْحَرَكَةِ وَالْأَفْعَالِ، وَهِيَ أَقْرَبُ إلَى الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ. وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، بَلْ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي " الرِّسَالَةِ " يَقْتَضِي عَكْسَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَخَوَّاتٌ مُتَقَدِّمُ الصُّحْبَةِ وَالسِّنِّ، فَجَعَلَ ذَلِكَ مُرَجِّحًا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ. وَصَرَّحَ قَبْلَهُ بِأَنَّهُ رَجَّحَهَا لِمُوَافَقَةِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ أَقْوَى فِي مُكَايَدَةِ الْعَدُوِّ.
وَنَقَلَ إلْكِيَا فِي مِثْلِ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَتَلَقَّى مِنْهُمَا جَوَازَ الْفِعْلَيْنِ، وَيُحْتَاجُ فِي تَفْضِيلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إلَى دَلِيلٍ. قَالَ إلْكِيَا: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ. وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ نَظَرِ الْأُصُولِيِّينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute