للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: تَقْدِيمُ الْفِعْلِ لِعَدَمِ الِاحْتِمَالِ فِيهِ، وَنُقِلَ عَنْ اخْتِيَارِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمَا شَيْئَانِ، لَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَنَصَرَهُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ ". وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ مَحَلَّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِيمَا إذَا تَعَارَضَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ فِي بَيَانِ مُجْمَلٍ، دُونَ مَا إذَا كَانَا مُبْتَدَأَيْنِ، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّيْخُ فِي " اللُّمَعِ "، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي كِتَابِهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي " الْمُسْتَصْفَى ". وَعَكَسَ الْقُرْطُبِيُّ، فَجَعَلَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَيَانٌ، وَجَعَلَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ مَحَلَّ هَذَا الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَا إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ الْخَاصُّ عَلَى تَكَرُّرِ هَذَا الْفِعْلِ فِي حَقِّهِ، وَعَلَى تَأَسِّي الْأُمَّةِ بِهِ، وَعَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الْمُعَارِضَ لَهُ خَاصٌّ بِهِ أَوْ بِالْأُمَّةِ، وَجُهِلَ التَّارِيخُ فِي تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ تَقْدِيمَ الْقَوْلِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إذَا كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِالْأُمَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ خَاصًّا بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَالْوَقْفُ. وَلِلْفُقَهَاءِ فِي مِثْلِ مَا مَثَّلْنَا بِهِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى لَمْ يَذْكُرْهَا أَهْلُ الْأُصُولِ هُنَا، وَهُوَ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى النَّدْبِ وَالنَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَجَعْلُ الْفِعْلِ بَيَانًا لِذَلِكَ، أَوْ حَمْلُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ عَلَى صُورَةٍ خَاصَّةٍ لَا تَجِيءُ فِي الْأُخْرَى كَالِاسْتِلْقَاءِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إذَا بَدَتْ مِنْهُ الْعَوْرَةُ، وَجَائِزٌ إذَا لَمْ تَبْدُ مِنْهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِيهَا بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا تَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِحَالَةِ تَعَذُّرِ إمْكَانِ الْجَمْعِ، فَإِنَّهُ الَّذِي يَقَعُ فِيهَا التَّعَارُضُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا يَتَّجِهُ مِنْ الْقَائِلِينَ بِحَمْلِ فِعْلِهِ عَلَى الْوُجُوبِ، فَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِحَمْلِهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْوَقْفِ، فَلَا شَكَّ عِنْدَهُمْ فِي تَقْدِيمِ الْقَوْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>