وَاحْتِمَالُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ إنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْكَلَامِ، وَلِهَذَا ضُعِّفَ مَنْعُ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ كَوْنَ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ طَلَبِيَّةً، نَظَرًا إلَى أَنَّ الْخَبَرَ مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَالطَّلَبُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ، وَمَا عُلِّلَ بِهِ بَاطِلٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَثَالِثُهَا: عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِنْشَاءِ وَالطَّلَبِ، وَهَذَا كَقَوْلِ الْمُحَدِّثِينَ: أَخْبَارُ الرَّسُولِ مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ تَسْمِيَةُ الْحَدِيثِ بِالْخَبَرِ، وَمُعْظَمُ السُّنَّةِ الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَاصِلَ جَمِيعِهَا آيِلٌ إلَى الْخَبَرِ، فَالْمَأْمُورُ بِهِ فِي حُكْمِ الْمُخْبَرِ عَنْ وُجُوبِهِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي النَّوَاهِي. قَالَ: وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَ آمِرًا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ، وَإِنَّمَا الْآمِرُ حَقًّا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَصِيَغُ الْأَمْرِ مِنْ الْمُصْطَفَى فِي حُكْمِ الْإِخْبَارِ عَنْ اللَّهِ.
وَالثَّانِي: إنَّمَا سُمِّيَتْ أَخْبَارًا لِنَقْلِ الْمُتَوَسِّطِينَ، وَهُمْ يُخْبِرُونَ عَمَّنْ يَرْوِي لَهُمْ، وَمَنْ عَاصَرَ الرَّسُولَ كَانَ إذَا بَلَغَهُ لَا يَقُولُ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ، بَلْ يَقُولُ: أَمَرَنَا، فَالْمَنْقُولُ إذًا اسْتِجْدَادُ اسْمِ الْخَبَرِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ إلَى حَيْثُ انْتَهَى.
تَعْرِيفُ الْخَبَرِ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ: فَيُطْلَقُ الْخَبَرُ عَلَى الصِّيغَةِ، كَقَوْلِنَا: قَامَ زَيْدٌ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِ الْمُتَكَلِّمِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ، ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute