وَأَمَّا النِّدَاءُ نَحْوُ يَا زَيْدُ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إنْشَاءٌ، لَكِنْ اخْتَلَفُوا: فَقِيلَ: فِيهِ فِعْلٌ مُضْمَرٌ، تَقْدِيرُهُ أُنَادِي، أَوْ الْحَرْفُ وَحْدَهُ مُفِيدٌ لِلنِّدَاءِ. فَقِيلَ عَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ كَانَ الْفِعْلُ مُضْمَرًا لَقَبِلَ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ، وَأَجَابَ الْمُبَرِّدُ بِأَنَّ الْفِعْلَ مُضْمَرٌ، وَلَا يَلْزَمُ قَبُولُهُ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ، وَالْإِنْشَاءُ لَا يَقْبَلُهُمَا، وَاخْتَلَفُوا فِي صِيَغِ الْعُقُودِ كَمَا سَبَقَ فِي مَبَاحِثِ اللُّغَةِ، وَمِمَّا لَمْ يَسْبِقْ أَنَّ فَصْلَ الْخِطَابِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّ لِهَذِهِ الصِّيَغَ نِسْبَتَيْنِ: نِسْبَةٌ إلَى مُتَعَلِّقَاتِهَا الْخَارِجِيَّةِ، وَهِيَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ إنْشَاءَاتٌ مَحْضَةٌ، وَنِسْبَةٌ إلَى قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ وَإِرَادَتِهِ، وَهِيَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ خَبَرٌ عَمَّا قُصِدَ إنْشَاؤُهُ، فَهِيَ إخْبَارَاتٌ بِالنَّظَرِ إلَى مَعَانِيهَا الذِّهْنِيَّةِ، وَإِنْشَاءَاتٌ بِالنَّظَرِ إلَى مُتَعَلِّقَاتِهَا الْخَارِجِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَإِنَّمَا لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يُقَابَلَ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَإِنْ كَانَتْ أَخْبَارًا؛ لِأَنَّ مُتَعَلَّقَ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ، وَمَعْنَاهُمَا مُطَابَقَةُ الْخَبَرِ لِمُخْبِرِهِ أَوْ عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ، وَهُنَاكَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ حَصَلَ بِالْخَبَرِ حُصُولُ الْمُسَبَّبِ لِسَبَبِهِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَصْدِيقٌ وَلَا تَكْذِيبٌ؛ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ فِي خَبَرٍ لَا يَحْصُلُ مُخْبَرُهُ وَلَمْ يَقَعْ بِهِ، كَقَوْلِكَ: قَامَ زَيْدٌ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كُتُبِهِ النَّحْوِيَّةِ: وَهِيَ مَسْلُوبَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّمَانِ، وَخَالَفَهُ ابْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ: وَهِيَ مَاضِيَةُ اللَّفْظِ حَاضِرَةُ الْمَعْنَى، وَمِنْ الْإِنْشَاءَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الظِّهَارُ، كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ، وَقِيلَ فِي تَقْرِيرِهِ: لَوْ كَانَ خَبَرًا لَمَا أَحْدَثَ حُكْمًا، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي التَّعَلُّقِ بِالْمَشِيئَةِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَجْهًا أَنَّهُ إخْبَارٌ، وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ " وَنَصَرَهُ الْقَرَافِيُّ، وَغَلِطَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَذَّبَهُمْ بِقَوْلِهِ: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: ٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute