للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِلْمُ الْبَعْضِ فَلَازِمٌ مِنْ شَرْطِ الْحِسِّ.

ثَانِيهَا: أَنْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ عَنْ ضَرُورَةٍ، إمَّا بِعِلْمِ الْحِسِّ مِنْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ سَمَاعٍ، وَإِمَّا أَخْبَارٍ مُتَوَاتِرَةٍ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ يُحْتَمَلُ دُخُولُ الْغَلَطِ فِيهِ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: فَأَمَّا إذَا تَوَاتَرَتْ أَخْبَارُهُمْ عَنْ شَيْءٍ قَدْ عَلِمُوهُ وَاعْتَقَدُوهُ، بِالنَّظَرِ أَوْ الِاسْتِدْلَالِ أَوْ عَنْ شُبْهَةٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَعَ تَوَاتُرِهِمْ يُخْبِرُونَ الدَّهْرِيَّةَ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ، وَتَوْحِيدِ الصَّانِعِ، وَيُخْبِرُونَ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَا يَقَعُ لَهُمْ الْعِلْمُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ دُونَ الِاضْطِرَارِ، فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ صُدُورٌ عَنْ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ، ثُمَّ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَوَاسِّ وَدَرْكِهَا، وَقَدْ يَحْصُلُ عَنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَلَا أَثَرَ لِلْحِسِّ فِيهَا عَلَى الِاخْتِصَاصِ، فَإِنَّ الْحِسَّ لَا يُمَيِّزُ احْمِرَارَ الْخَجَلِ وَالْغَضْبَانِ عَنْ اصْفِرَارِ الْمَحْبُوبِ وَالْمَرْغُوبِ، وَإِنَّمَا الْعَقْلُ يُدْرِكُ تَمْيِيزَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ. قَالَ: فَالْوَجْهُ اشْتِرَاطُ صُدُورِ الْأَخْبَارِ عَنْ الْبَدِيهَةِ وَالِاضْطِرَارِ، هَذَا كَلَامُهُ وَغَايَتُهُ الْحِسُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ الْمُفِيدَةَ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْحِسِّ.

ثَالِثُهَا: أَنْ تَكُونَ مُشَاهَدَةُ الشَّاهِدَيْنِ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ حَقِيقَةً وَصَحِيحَةً، فَلَا تَكُونُ عَلَى سَبِيلِ غَلَطِ الْحِسِّ، فَلِذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إخْبَارِ النَّصَارَى بِصَلْبِ الْمَسِيحِ. رَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ بِصِفَةٍ يُوثَقُ مَعَهَا بِقَوْلِهِمْ، فَلَوْ أَخْبَرُوا مُتَلَاعِبِينَ أَوْ مُكْرَهِينَ عَلَى ذَلِكَ الْخَبَرِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ. خَامِسُهَا: أَنْ يَبْلُغَ عَدَدُ الْمُخْبِرِينَ إلَى مَبْلَغٍ يَمْتَنِعُ عَادَةً تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>