للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَذِبِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَرَائِنِ وَالْوَقَائِعِ وَالْمُخْبِرِينَ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ هَذَا الْقَدْرُ كَافٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِأَنْ تَكُونَ شَوَاهِدُ أَحْوَالِهِمْ تَنْفِي عَنْ مِثْلِهِمْ الْمُوَاطَأَةَ وَالْغَلَطَ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا، وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا: هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ؟ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَصْرٌ، وَإِنَّمَا الضَّابِطُ حُصُولُ الْعِلْمِ، فَمَتَى أَخْبَرَ هَذَا الْجَمْعُ، وَأَفَادَ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ، عَلِمْنَا أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ، وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهِ فِي جَانِبِ النَّفْيِ، وَلَمْ يَقْطَعْ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ، فَقَالَ بِعَدَمِ إفَادَةِ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ لَهُ، وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَقَالَ: يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَبَرُ الْأَرْبَعَةِ يُوجِبُ الْعِلْمَ لَمَا سَأَلَ الْحَاكِمُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ، إذَا شَهِدُوا عِنْدَهُ، وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: ذَهَبَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَاتَرَ الْخَبَرُ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ، فَمَا زَادَ.

فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَاتَرَ بِأَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ فِي الشَّهَادَةِ الْمُوجِبَةِ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ دُونَ الْعِلْمِ. اهـ.

وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ الْجُبَّائِيُّ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مُسْتَنَدَهُ عَدَدُ أُولِي الْعَزْمِ، وَهُمْ عَلَى الْأَشْهَرِ: نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، وَالْمُشْتَرِطُونَ لِلْعَدَدِ اخْتَلَفُوا وَاضْطَرَبُوا اضْطِرَابًا كَثِيرًا، فَقِيلَ: يُشْتَرَطُ عَشَرَةٌ، وَنُسِبَ لِلْإِصْطَخْرِيِّ، وَاَلَّذِي فِي الْقَوَاطِعِ " عَنْهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَاتَرَ بِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَتَوَاتَرَ بِالْعَشَرَةِ فَمَا زَادَ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا جَمْعُ الْآحَادِ فَاخْتَصَّ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، وَالْعَشَرَةُ فَمَا زَادَ جَمْعُ الْكَثْرَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>