وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ خَبَرِ كُلِّ الْأُمَّةِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ، حَكَاهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ " عَنْ ضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ طَوَائِفُ مِنْ الْفُقَهَاءِ: يَنْبَغِي أَنْ يَبْلُغُوا مَبْلَغًا عَظِيمًا، أَيْ لَا يَحْوِيهِمْ بَلَدٌ وَلَا يَحْصُرُهُمْ عَدَدٌ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَهُوَ سَرَفٌ، وَالْكُلُّ ضَعِيفٌ لِتَعَارُضِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهَا. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَوْ عَنَّ مُرَجِّحٌ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مَدْلُولِ الْخَبَرِ الْمَقْطُوعِ بِهِ، فَإِنَّ التَّرْجِيحَاتِ ثَمَرَاتُهَا غَلَبَةُ الظُّنُونِ فِي مُطَّرِدِ الْعَادَةِ، وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ أَمْثَلُ الْأَقَاوِيلِ، وَالْبَاقِي لَيْسَ بِشَيْءٍ، أَيْ فَإِنَّهَا تَحَكُّمَاتٌ فَاسِدَةٌ، لَا تُنَاسِبُ الْغَرَضَ وَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَتَعَارُضُ أَقْوَالِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِهَا، وَأَمَّا اسْتِخْرَاجُ أَبِي الْهُذَيْلِ مِنْ قَوْلِهِ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} [الأنفال: ٦٥] فَمَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ، ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِإِزَاءِ الِاثْنَيْنِ، فَهَذِهِ الْآيَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْعِشْرِينَ أَنْ يَقُومُوا لِمِائَتَيْنِ مَنْسُوخٌ، وَصَارَ ثُبُوتُ الْوَاحِدِ لِلِاثْنَيْنِ، فَلَوْ اُحْتُجَّ بِهَا عَلَيْهِ فِي ثُبُوتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لَكَانَ أَقْرَبَ الْأَدِلَّةِ، وَبَاقِي الْأَدِلَّةِ لَا تَدُلُّ؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ اتِّفَاقِيَّةٌ. فَالْحَقُّ عَدَمُ التَّعْيِينِ، مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَدَدٍ يَحْصُلُ بِخَبَرِهِمْ الْعِلْمُ. وَهَلْ ذَلِكَ الْعَدَدُ الْمُفِيدُ لِلْعِلْمِ فِي وَاقِعَةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ لَا يُفِيدَ فِي وَاقِعَةٍ أُخْرَى؟ قَالَ الْقَاضِي: ذَلِكَ مُحَالٌ، بَلْ لَا بُدَّ إلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْعَدَدِ، الْعِلْمُ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ، وَمَهْمَا حَصَلَ هَذَا الْعِلْمُ لِشَخْصٍ فَلَا بُدَّ مِنْ حُصُولِهِ لِجَمِيعِ الْأَشْخَاصِ؛ لِتَحَقُّقِ الْمُوجَبِ لِلْعَمَلِ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَهَذَا بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْإِخْبَارَ بِمُجَرَّدِهِ يُفِيدُ الْعِلْمَ عَادَةً دُونَ الْقَرَائِنِ، وَمَنْعُ إفَادَتِهِ الْعِلْمَ مِنْ حَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute