للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي التَّوَاتُرِ دُونَ الِاسْتِفَاضَةِ. وَجَزَمَ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تُشْتَرَطُ، وَذَكَرَ وَجْهَيْنِ فِي انْفِرَادِ الصِّبْيَانِ بِهِ مَعَ شَوَاهِدِ الْحَالِ بِانْتِفَاءِ الْمُوَاطَأَةِ، فَتَحَصَّلْنَا عَلَى وُجُوهٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُخْبِرِينَ أَنْ لَا يَحْصُرَهُمْ عَدَدٌ، وَلَا يَحْوِيَهُمْ بَلَدٌ، خِلَافًا لِقَوْمٍ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَامِعِ لَوْ أَخْبَرُوا عَنْ سُقُوطِ الْمُؤَذِّنِ عَنْ الْمَنَارَةِ فِيمَا بَيْنَ الْخَلْقِ لَأَفَادَ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا مُخْتَلِفِي الْأَدْيَانِ، وَالْأَنْسَابِ وَالْأَوْطَانِ خِلَافًا لِلْيَهُودِ، فَإِنَّهُمْ شَرَطُوا أَنْ لَا يَكُونَ نَسَبُهُمْ وَاحِدًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ سَكَنُهُمْ وَاحِدًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ ذَلِكَ أَنَّ قَبِيلَةً مِنْ الْقَبَائِلِ الْمُتَّفِقَةِ أَدْيَانُهُمْ وَأَنْسَابُهُمْ لَوْ أَخْبَرُوا بِوَاقِعَةٍ فِي نَاحِيَتِهِمْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ ضَرُورَةً، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَعْصُومٌ، خِلَافًا لِلشِّيعَةِ وَلِابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا بُدَّ مِنْهَا، سَوَاءٌ أَخْبَرَ الْمُخْبِرُونَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ، أَوْ لَا عَنْ مُشَاهَدَةٍ، بَلْ عَنْ سَمَاعٍ مِنْ آخَرِينَ، فَأَمَّا إذَا حَصَلَ الْوَسَائِطُ فَيُعْتَبَرُ شَرْطٌ آخَرُ، وَهُوَ وُجُودُ الشُّرُوطِ فِي كُلِّ الطَّبَقَاتِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: لَا بُدَّ مِنْ اسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَاسِطَةِ، فَيَرْوِي الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ بِالصِّفَةِ السَّابِقَةِ عَنْ مِثْلِهِ إلَى أَنْ يَتَّصِلَ بِالْمُخْبَرِ عَنْهُ، أَيْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَالُ مَنْ نَقَلَ عَنْ الْأَوَّلِينَ كَحَالِ الْأَوَّلِينَ فِيمَا عَلِمُوهُ ضَرُورَةً، وَكَذَلِكَ النَّقَلَةُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ الثَّالِثَةِ ثُمَّ الرَّابِعَةِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَيْنَا، وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ مَا نَقَلَهُ النَّصَارَى عَنْ صَلْبِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُمْ نَقَلُوهُ عَنْ عَدَدٍ لَا تَقُومُ بِهِمْ الْحُجَّةُ ابْتِدَاءً.

وَكَذَا مَا نَقَلَتْهُ الرَّوَافِضُ مِنْ النَّصِّ عَلَى إمَامَةِ عَلِيٍّ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ التَّوَاتُرَ يَنْقَلِبُ آحَادًا، وَرُبَّمَا انْدَرَسَ دَهْرًا. فَالْمُتَوَاتِرُ مِنْ أَخْبَارِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا اطَّرَدَتْ الشَّرَائِطُ فِيهِ عَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ، حَتَّى انْتَهَى إلَيْنَا، وَهَذَا لَا خَفَاءَ فِيهِ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَكِنَّهُ لَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>