للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْعِبَادَاتِ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَمْ تَقُمْ بِهِ الْحُجَّةُ مِنْ الْأَخْبَارِ، كَرِوَايَةِ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ، وَرِوَايَاتِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: وَبِمِثْلِهِ احْتَجَجْنَا بِالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ عَلَى صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ أَخْبَارَ آحَادٍ، وَلَكِنْ تَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَمَنَعَتْ بِسَبَبِهَا مُخَالَفَةَ الْإِجْمَاعِ، وَشَدَّدَتْ النَّكِيرَ عَلَى الْمُخَالِفِ. فَإِنْ قِيلَ: خَبَرُ الْوَاحِدِ ظَنِّيٌّ، وَلَا يَتَّفِقُ جَمْعٌ لَا يُحْصَوْنَ عَلَى الظَّنِّ، كَمَا لَا يَتَّفِقُونَ عَلَى الْقِيَاسِ؟ قِيلَ: الصَّحِيحُ جَوَازُ اسْتِنَادِ الْإِجْمَاعِ إلَى الْقِيَاسِ، وَنَقَلَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تُتَصَوَّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا لَمْ يُوجِبْ الْعِلْمَ، فَلَا يُتَصَوَّرُ اتِّفَاقُ الْأُمَّةِ عَلَى انْقِطَاعِ الِاحْتِمَالِ حَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ، وَاخْتَارَ ذَلِكَ ابْنُ بَرْهَانٍ، فَقَالَ: عَدَدُ التَّوَاتُرِ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَلِ عَنْ الْوَاحِدِ لَمْ يَصِرْ مُتَوَاتِرًا، وَهَلْ يُفِيدُ الْقَطْعَ أَمْ لَا؟ قَالَ: وَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَظْنُونٌ، وَالظَّنِّيُّ لَا يَنْقَلِبُ قَطْعِيًّا. وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَنَّ تَلَقِّيَ الْأُمَّةِ بِالْقَبُولِ لَا يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِالصِّدْقِ لِلِاحْتِمَالِ. ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ قِيلَ لِلْقَاضِي: لَوْ دَفَعُوا هَذَا الظَّنَّ، وَبَاحُوا بِالصِّدْقِ؟ فَقَالَ مُجِيبًا: لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ إلَى الْعِلْمِ بِصِدْقِهِ، وَلَوْ نَطَقُوا لَكَانُوا مُجَازِفِينَ، وَأَهْلُ الْإِجْمَاعِ لَا يُجْمِعُونَ عَلَى بَاطِلٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>