وَكَذَا الْإِقَامَةُ فِي طُولِ عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ يَخْتَلِفُونَ فِي تَثْنِيَتِهَا وَإِفْرَادِهِ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ فِيهِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ.
قُلْنَا: أَمْرُ الْقِرَانِ وَالْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَرَّرَ عِنْدَ الْكُلِّ جَوَازُ الْكُلِّ لَمْ يَعْتَنُوا بِالتَّفْتِيشِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُلَقِّنُ الْخَلْقَ إضَافَةَ الْحَجِّ، فَنَاقِلُ الْإِفْرَادِ سَمِعَهُ يُلَقِّنُ غَيْرَهُ ذَلِكَ، وَنَاقِلُ التَّمَتُّعِ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ فَتْحُ مَكَّةَ، نُقِلَ أَنَّهُ عَلَى هَيْئَةِ الْعَنْوَةِ وَالْقَهْرِ، وَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مَالًا، وَتَوَاتَرَ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَحْكَامٍ جُزْئِيَّةٍ كَمُصَالَحَةٍ جَرَتْ عَلَى الْأَرَاضِي وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَنْعُ بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ أَوْ تَجْوِيزُهُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: وَصُورَةُ دُخُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُتَسَلِّحًا بِالْأَلْوِيَةِ وَالرَّايَاتِ وَبَذْلُهُ الْأَمَانَ لِمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ وَاعْتَصَمَ بِالْكَعْبَةِ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صُلْحًا بِأَنَّهُ وَدَى قَوْمًا قَتَلَهُمْ خَالِدٌ، وَنَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَغَيْرُ هَذَا مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّأْوِيلُ. وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَتَثْنِيَتُهَا وَإِفْرَادُهَا لَيْسَ مِنْ عَظَائِمِ الْعَزَائِمِ، وَلَوْلَا اشْتِهَارُهَا بَيْنَ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ، لَمْ تَعْلَمْ الْعَامَّةُ تَفْصِيلَهَا، فَإِنَّهَا لَا تَهُمُّهُمْ، وَالْعُصُورُ تَنَاسَخَتْ، وَتَعَلَّقَتْ الْإِقَامَةُ بِالْبَدَلِ، وَشَعَائِرُ الْمُلُوكِ، وَلَا كَذَلِكَ أَمْرُ الْإِمَامَةِ، فَإِنَّهَا مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَتَتَعَلَّقُ بِعَزَائِمِ الْخُطُوبِ، وَيَسْتَحِيلُ تَقْدِيرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute