وَفِيمَا حَكَاهُ عَنْ الْحَارِثِ نَظَرٌ، فَإِنِّي رَأَيْت كَلَامَهُ فِي كِتَابِ فَهْمِ السُّنَنِ "، نَقَلَ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَأَهْلِ الرَّأْيِ وَالْفِقْهِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ أَقَلُّهُمْ: يُفِيدُ الْعِلْمَ، وَلَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا، وَاحْتَجَّ بِإِمْكَانِ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ مِنْ نَاقِلِهِ كَالشَّاهِدَيْنِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِمَا لَا الْعِلْمُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْكَرَابِيسِيِّ وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ أَحْمَدَ، وَابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: ذَهَبَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ إلَى أَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ، وَنَسَبَهُ إلَى مَالِكٍ وَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ. لَكِنْ تَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ، وَنَازَعَهُ الْمَازِرِيُّ، وَقَالَ: لَمْ يُعْثَرْ لِمَالِكٍ عَلَى نَصٍّ فِيهِ، وَلَعَلَّهُ رَأَى مَقَالَةً تُشِيرُ إلَيْهِ، وَلَكِنَّهَا مُتَأَوَّلَةٌ. قَالَ: وَقِيلَ: إنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ الظَّاهِرَ دُونَ الْبَاطِنِ، وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّهُ يُثْمِرُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ. وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ السُّهَيْلِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ أَدَبِ الْجَدَلِ لَهُ قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي إسْنَادِهِ إمَامٌ مِثْلُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ وَسُفْيَانَ، وَإِلَّا فَلَا يُوجِبُهُ. وَعَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ يُوجِبُهُ مُطْلَقًا. وَنَقَلَ الشَّيْخُ فِي التَّبْصِرَةِ " عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ مِنْهَا مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ كَحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ الْبَاطِنَ قَطْعًا بِخِلَافِ الْمُسْتَفِيضِ وَالْمُتَوَاتِرِ، وَهَلْ يُوجِبُ الظَّاهِرَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْعِلْمِ مِنْ نَتَائِجِ بَاطِنِهِ فَلَمْ يَفْتَرِقَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute