مَذْهَبَهُمْ خَارِجٌ عَنْ ضُرُوبِ الْعَقْلِ، فَبَيَّنَّا هَذَا دَفْعًا لِهَذَا الْوَهْمِ، وَتَنْبِيهًا لِمَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ، وَيُبْحَثَ مَعَهُمْ فِيهِ، وَهُوَ الْمَحَلُّ الَّذِي ادَّعَوْهُ مِنْ قِيَامِ الْقَاطِعِ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ، وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ لَهُمْ فِيهِ: إنَّ هَذَا الْقَاطِعَ، أَعْنِي الْعِلْمَ بِصِحَّةِ كُلِّ مَا صَحَّ عِنْدَنَا وَبِكَذِبِ كُلِّ مَا لَمْ يَصِحَّ، إمَّا أَنْ يُؤْخَذَ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ أَوْ إلَى بَعْضِهَا، فَإِنْ أُخِذَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَمِيعِ فَمُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ فَرْدٍ هُنَا إلَّا إذَا أَثْبَتْنَا الْعَزْمَ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ الْأُمَّةِ، لَكِنَّ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ.
وَإِنْ أَخَذْنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَعْضِ لَمْ يُفِدْ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأُمَّةِ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ، وَقَدْ وَقَعَ كَثِيرٌ مِنْ هَذَا، وَهُوَ اطِّلَاعُ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى حَدِيثٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ قَالَ: إذَا لَمْ أَطَّلِعْ عَلَيْهِ، فَالْأَصْلُ عَدَمُ اطِّلَاعِ غَيْرِي عَلَيْهِ، فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالنِّسْبَةِ إلَيَّ. قُلْنَا: أَنْتَ تَدَّعِي الْقَطْعَ، وَالتَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ.
تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ قَرِينَةٌ لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ، فَإِنْ كَانَ؛ لِلتَّعْرِيفِ بِصِدْقِ الْمُخْبِرِ، فَقَدْ يَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ قَدْ سَبَقَتْ. مِنْهَا الْإِخْبَارُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُنْكِرُهُ، أَوْ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ وَيُقِرُّوهُ، أَوْ بِأَنْ تَتَلَقَّاهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ أَوْ الْعَمَلِ، أَوْ بِأَنْ يَحْتَفَّ بِقَرَائِنَ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ. الثَّانِي: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَابِطِ الْقَرَائِنِ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يُشَارَ إلَيْهَا بِعِبَارَةٍ تَضْبِطُهَا. قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هِيَ مَا لَا يَبْقَى مَعَهَا احْتِمَالٌ، وَتَسْكُنُ النَّفْسُ عِنْدَهُ، مِثْلُ سُكُونِهَا إلَى الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ. الثَّالِثُ: زَعَمَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ، وَلَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute